الجمعة، 10 أكتوبر 2008

كلمة فاطمة تليسوفا في مؤسسة جيمس تاون في واشنطن العاصمة

فاطمة تليسوفا
فيما يلي نص الكلمة الّتي ألقتها فاطمة تليسوفا، المراسلة السّابقة لوكالة أنباء ريغنوم في شمال القوقاز والّتي ألقتها في "يوم الشّراكسة" في مؤسسة جيمس تاون في واشنطن العاصمة يوم الحادي والعشرين من أيّار / مايو 2007 :
في يوم يشبه هذا اليوم وفي التّاريخ نفسه، لكن قبل اكثر من مئة عام، أعلنت روسيا انتصارها على الشّراكسة. فالعرض الّذي اقيم احتفاءا بالانتصار تمّ فى نفس السّاحة أو المنطقة الّتي يأمل الّروس في اقامة ألعاب أولمبيّة جديدة فيها.
هذا هو مكان مفضّل للتّرفيه وقضاء الاجازات للرّئيس الرّوسي بوتين، وبالتّالي فانّ ذلك المرج أنشئ وأعدّ بسرعة فائقة وبكفاءة عالية، وعندها كانوا يقومون بتطهير هذا المرج من العظام الشّركسيّة التي كانت مدفونة في المرج، وجرفت بعيدا بواسطة الجرّافات (البلدوزرات) وألقيت في منحدر التّزلج الجديد.
هذا التّصرف بالعظام رمزي جدا للكيفيّة الّتي تمّ التّعامل بها بتاريخ وثقافة الشراكسة من قبل الحكومة الروسية. ويمكن القول باليقين ان سياسة روسيا تجاه شيركيسيا لا علاقة لها مطلقا بالمتطلّبات المختلفة التي يمكن ان تسود ويمكن اقامتها في موسكو على مدى 200 عام، والخصائص المشتركة لهذه السياسة كانت الابادة الجماعيّة.
روسيا تدّعي بانها جلبت الثقافة للشراكسة المتوحّشّين، ولكن ماذا يقول الواقع؟ بعد ثلاث سنوات من انتها حرب المئة عام، في عام 1867 وصلت أوّل بعثة للاكاديمية الرّوسية للعلوم الى شركيسيا، والّتي كانت في ذلك الوقت مفرغة تماما من سكاّنها. الحفريّات الّتى كانت قد أنجزت، أظهرت نتائج مذهلة. اكتشف علماء البيئة نماذج لا تصدّق وكذلك قيّمة جدا لحضارة عريقة. واستمرّت الحفرياّت لمدّة 140 عاما لاحقة. عشرات الآلاف من التّحف تمّ العثور عليها خلال المائة والأربعون عاما أرسلت وهي موجودة الآن في متاحف مختلفة في موسكو وسان بطرسبرغ.
وانتم ترون هذه الكنوز، هل تجدون أيّ ذكر لشركيسيا؟ طبعا لا. انّ تاريخ شركيسيا القديم قد اختطف. كل من الثّلاث جمهورياّت التي قسّمت اليها شركيسيا لها وزير الثقافة الخاص بها. والمفترض انّ الوزراء مكلفون بالحفاظ على كنوز شركيسيا؟ لكن هذه ليست سوى دعايه. لا أحد من االرّسميين ومن ضمنهم وزراء وزارات الثقافة له الحق في التّوقيع على أيّ وثائق لها علاقة بالحضارة القديمة والكنوز. هذه الامتيازات تخص المجلس الثّقافي لمقاطعة كراسندار.لا أحد في المعهد الثقافي الخاص بكل من الثّلاث جمهوريّات وهي قباردينو - بلقاريا، و قراشيفو – شركيسيا، و أديغييا، له حق التّصرف باستقلاليّة للتصرّف والتّعامل مع هذه الكنوز. مرّة أخرى هذا الحق يعود للمجالس الثّقافيّة لكل من مقاطعتي سترافوبول و كراسندار.
الإرث الثّقافي للأديغة كان يدمّر باستمرار خلال فترات حكم ستالين. أحد الأمثلة: في عام 1937 وبشكل متزامن في جميع الجمهوريّات الثلاث، ألقي القبض على حوالى خمسين من العلماءالأديغه. هؤلاء اللغويين والمؤرّخين والفولكلوريّين والشّعراء والغالبيه منهم قتلوا رميا بالرّصاص على الفور تقريبا. كافّة المحفوظات (الأرشيفات) دمّرت وأحرقت. ومن بين الذين تم اطلاق النّار عليهم مجموعة من العلماء الّذين ولأوّل مرة قاموا بجمع الملحمات الشّعريّة للأمّة الشّركسيّه.
ومن بين الوثائق التي احرقت كان هنالك 20،000 من القصائد و الأمثال و الأشعار المتعلّقة بالأخلاق الشركسيّة، والتي تم جمعها في الثلاثينيّات من القرن الماضي، وهذه الخسائر لا يمكن تعويضها.
حتى سنوات الخمسينيّات من القرن الماضي استمرّ ضم الأراضي الشركسيّة، وقسّم البلد بشكل مصطنع الى ثلاث هياكل ووضعيّات وأسماء هذه التشكيلات السّياسيّة قد غيّرت عدة مرات. في البداية كانت مناطق ذات حكم ذاتي ثم أصبحت جمهوريّات ذات حكم ذاتي، والحدود بين هذه الجمهوريات أوجدت باستمرار مشاكل فى الرّوابط الثّقافيّه والاقتصاديّة بين الجمهورياّت الثّلاث. القبرطاي و شيركيسيا وكان لها حتى وقت قريب جدا حدودا مشتركة قرب مدينة مينيراليفودي. وهذا الأمر يبعث على الشّك وهو مفيد جدا للسّياحة في المنطقة، وفرضت السيطرة على الجمهوريّات الثّلاث وأصبحت جزءا من مقاطعة سترافوبول.
وسادت الحاله نفسها على الحدود بين شيركيسيا وأديغييا. مناطق شاسعة كانت ضمن حدودنا وقد أعطيت لمقاطعة كراسندار، وحتّى بعد سنوات عديدة بعد انتهاء الحرب، واصلت روسيا سياستها العدوانيّة تجاه أراضي شيركيسيا. حاليا استمرار هذه السّياسات قليلا في طرق مختلفة نوعا ما، منها على سبيل المثال: مواطني روسيا من العرق الشّركسي لا يستطيعون الحصول على اذن للاقامة الدّائمه في مدينة سوتشي. هناك تعليمات خاصة أعطيت للسلطات تمنع السّكن الدّائم للشراكسة على حدود البحر الاسود. الرّوس لا يتورّعون عن أي وسائل لمنع عودة ظهور الشّركس في مناطقهم التّاريخية السّابقة.
حاليا الثّلاث جمهورياّت، قباردينو - بلقاريا و قراشيفو - شركيسيا و أديغييا، هي علامات مطروحة يمكن اعتبارها جمهوريّات اتّحادية ذات سيادة وذلك في المعادلة ضمن روسيا، ولها رؤساء وهؤلاء الرّؤساء هم رؤساء للسّلطة التنفيذية ورئيس مجلس النّواب يمثل السّلطة التشريعيه؛ ولكن هذا بالحقيقة نوع من الخرافة، فما هي الحقيقة؟ هؤلاء هم رؤساء ليس لهم أي سلطة حقيقيةّ وانهم ادوات للكرملين.
وكالات الأمن وأجهزة تنفيذ القانون لا يأتمروا بأوامر الرّؤساء، لان قادة هذه الأجهزة هم تحت السّيطرة المباشره للسلطة الفيدراليّة والهيكل الأمني، وذلك يوضّح ان هؤلاء الّرؤساء هم الاّادارييّن ومهامّهم هي بالحقيقة هي نفس مهام ممثّلي الجمهور والمسؤولين في السّلطة التنفيذية.
أما البرلمان، ففي منتصف التّسعينيّات من القرن الماضي، فانّ برلمانات الجمهوريات الثّلاث قامت باقرار دساتيرها الخاصّة بها، وذلك هو القليل من بعض ما يعتبر دوافع طبيعيّة لكن ليست قوانين لدول ذات سيادة.
ولكن بدءا من عام 2002، حسب طلب أو قرار من مكتب المدّعي العام في روسيا، أيّ شيء في هذه الدّساتير والذي يختلف عن الدّساتير الرّوسية بدئ في استئصاله. والّذي تمّ الغاؤه على سبيل المثال، المادّة التي جعلت اللغة الشركسية غير الزاميّة في المدارس الشّركسيّة / أي في المدارس التّابعة للدّولة. بعد ذلك، أصبح واضحا أن المهمّة الوحيدة للبرلمانات أصبحت تلبية مطالب ورغبات الحكومة المركزية.
وفي هذا الاطار ما يسمى جمهوريّة ذات سياده، وينبغي للمرء ان يلاحظ بشكل خاص دور أجهزة الأمن وأجهزة تّنفيذ القانون. وفي هذه الجمهوريّات فانّ مناصب رؤساء دوائر الاستخبارات الرّوسيّة ووزارة الشّؤون الدّاخليّة ومكاتب الأمن الفيدرالي يمكن ان يتبوّؤها فقط من هم من أصل روسي.

نظام التّعليم ووسائل الإعلام الموجّه مسيطر عليها تماما من موسكو. وعلى سبيل المثال فانّ الكتب المدرسيّة والكتب الدّراسيّة الّتي يستخدمها أطفالنا لا تتضمّن ايّة اشارة الى شركيسيا كدولة، ولا حتى كشعب، وتدرّس كل المواد في المدارس باللغة الرّوسيّة.
والّلغة الروسية تدرّس مدّة 14 ساعة في الاسبوع. أما الّلغة القوميّة، فانّه يكرّس لها ساعتان فقط في الاسبوع. الادارة المدرسيّة يمكن ان تعفي الطّلاّب من الدراسة لمدة عام كامل من موضوعين اثنين، أحدهما التّربية البدنيّة والثاني هو الّلغة الشّركسيّة، ولذلك فانّ الّلغة الشركسية تفقد تدريجيّا وظيفتها الهامّة كونها لغة حيّة.
انها تفقد نفوذها بسرعة في المجالات السّياسيّة والاقتصاديّة و التّجاريّة وكذلك في المجالات العلمية. هذه الكارثة، وهي فقدان لغتنا أصبحت حقيقة واقعة. فيتالي فيلاسورا في كتابه، التّركيبة العرقية لجنوب القوقاز يصف سياسة روسيا بالابادة الّلغويّة. وبخصوص المنطق اللاهوتي في العمل، وهو عمل العلماء على التّحديث في تحقيق نماذج حديثة للّغة الشّركسيّه، حيث لا يوجد عمل قد تمّ انجازه في هذا المجال.
للأسف ، ليس هناك وقت لحصر جميع مجالات الحياة الوطنيةّ والّتي يعاني الشّراكسة فيها من ضغوط. إنّي كثيرا ما أتحدّث مع أناس من الممكن ان أدعوهم أناس على جانب من الاقتناع الحذر والّذين يقولون: هبّا تفهّموا، ان الامور ليست على هذه الدرجة من السوء، ومعنى ذلك اننا لسنا في حالة حرب الآن مع روسيا، كذلك يقولون بأنّه يجب علينا أن نكون أصدقاء مع روسيا. انّ هذا النّوع من الصّداقة في رأيي الشّخصي كمثل الصّداقه بين شريحة لحم البقر والجهاز الهضمي.
لقد تمّ ابتلاعنا، ولكن هناك مشكلة هضمنا بيد ان الاحماض الموجودة في السّياسة الرّوسيّه تعني بانّ النّهاية ليست ببعيدة عن الشراكسة. ومن المهم جدا ان نفهم ان السّبب في استطاعة روسيا ان تحافظ على موقعها في القوقاز يعود حصرا الى استخدام القوّة والوعيد والتّهديد باستخدام القوّة، ونحن الشّراكسة بفضل روسيا نقف على حافّة الفناء.
شكرا لكم.
4 مايو - أيّار -2007

0 التعليقات: