الخميس، 10 سبتمبر 2009

أخبار شركيسيا: بمناسبة يوم الحزن الشركسي – شوغه ماف (1)

بمناسبة يوم الحزن الشركسي – شوغه ماف (1)

تداعيات مستمرة للحدث المأساة – مأساة التهجير :

سايكس - بيكو : النموذج الروسي

شمال القفقاس مثالاَ


في كل يوم أحرص على عدم تفويت أية فرصة تسنح لي للإبحار في عالم الانترنت العجيب ، بدءاَ من الاطلاع على آخر محتويات بريدي الالكتروني و حتى مواقع الأخبار المقروءة و المسموعة أحياناً . كما أحرص على تفقد آخر الأخبار على موقع ( شبكة الأخبار الشركسية –cnnadiga.com ) .


و طوال أشهر عديدة و أنا أتابع الشريط الأخباري السريع في رأس الصفحة الرئيسية لهذا الموقع، كان ينتابني استفزاز متواصل من الخبر التالي ( و الذي استمر عرضه شهوراً ) :


" .... انتاج فيلم ( شركيسيا ) الذي يصور تاريخ القفقاس على مدى الألف عام الأخيرة ... و الفيلم متوفر بست لغات : القبرتاي – الأديغي – الروسية – العربية – التركية – الانكليزية ." .


بالمناسبة الفيلم وثائقي جيد و قد استعان بأرشيف ضخم و متواجد في عدة مصادر رسمية و دولية، و هو بعيد كل البعد عن الاحتقان أو المداراة و يعطي اهتماماً جيداً للحدود التاريخية لوطن الشعب الشركسي ( الأديغي ) ( 2 ) و نتائج الحرب الروسية القفقاسية عليه و على شعب الأديغي و خاصة مأساة التهجير القسري التي فرضها عليه النظام القيصري الروسي و بالتواطئ مع السلطنة العثمانية ، و قد تم انتاجه في جمهورية الأديغي من قبل فعاليات مستقلة ( غير حكومية ) و بالتعاون مع فعاليات مختلفة في الجمهوريات الشركسية الأخرى في شمال القفقاس ( القبرتاي – بلقر و القرشاي شركيسك ) . و الفيلم لم يكن بغاية تجارية ، بل بالعكس تماماً كانت الدوافع وطنية و قومية و انسانية و بعيدة كل البعد عن مفهوم الربح و الخسارة . و لقد أسعفني الحظ و شاهدت عرضه الأول ضمن فعاليات يوم الحزن الشركسي ( شوغه ماف ) في مايكوب في 21- 5 -2007 .


الاستفزاز كان : أن هناك لغتين شركسيتين – القبرتاي و الأديغي ، أسوة باللغات العربية و التركية و الانكليزية و .... ، و المشرفون على الموقع بدون أدنى شك غيورين و متحمسين لشركسيتهم أو قوميتهم ( الأديغي ) و مع ذلك بلعوا الطعم – أو وقعوا في المصيدة دون أن يدروا. لقد كتبوا الخبر دون تصرف – و دون انتباه – و كما نشر في الإعلام الرسمي في قفقاسنا كله .


و كما يقال فرب ضارة نافعة أحياناً – فلقد دفعني ذلك لمعاودة تلمس جوانب هامة و قاسية في الواقع الراهن لشعبنا و خاصة في الوطن الأم ، و قد بدأت تقلقني بعيد عودتي إلى الوطن الأم في مايكوب – عاصمة جمهورية الأديغي . لقد كنت أظن أنهم في نعيم ( بحسب تعبير أخوتنا السوريين ) و أنها ( قد راحت علينا ) نحن الذين في المغترب الشركسي فقط .


ذلك الاستفزاز كان يقودني دوماً ، و سيقودكم كلكم إلى التساؤل التالي :


هل أهلنا في جمهورية القبرتاي شعب مستقل عن شعب الأديغي ؟! و هل له لغة خاصة و مستقلة؟! أم هي لهجة من لهجات الشعب الشركسي ( الأديغي ) . و كذلك لغة أهلنا في جمهورية الأديغي ، و هل أهلها هم شعب مختلف و مستقل بحد ذاته ؟! و ماذا سيكون الحال مع القبائل الشركسية الأخرى : فسيكون هناك شعب الشابسوغ ولغته الخاصة ، و شعب البجدوغ ......... .


و بالمناسبة أيضاً ، في الأدبيات الرسمية ( الحكومية ) الروسية كل هذه القبائل من شعبنا الشركسي ( الأديغة ) مصنفة كشعوب ، ليس لتأخذ حقوقها ، بل ليبرر تقسيم الشركس ( الأديغة ) و تسهيل هضم حقوقهم كشعب واحد له تاريخه و خصائصه المشتركة ، ووطنه التاريخي الخاص و الواحد ، و لهذا عودة في مقال آخر (3 ) .


كل تلك الأسئلة السابقة لا تحتاج إلى جهد كبير – بيننا على الأقل – للبرهان على عدم صحتها، فلو كانت لهجة كل قبيلة شركسية هي لغة مستقلة بحد ذاتها فلماذا تم اختيار لهجة قبيلة الجمكوي ( لكونها اللهجة الوسطى بين نظيراتها في جمهورية الأديغي ) لتصبح لهجة اللغة الشركسية الرسمية في الجمهورية ( و التي تحوي أيضاً أبناء قبائل : البجدوغ ، الشابسوغ ، الابزاخ ، الحاتوقاي ، الجمكوي ، .... و حتى الكثيرين من أخوتنا القبارتاي ) . أو لماذا لم تقسم جمهورية الأديغي ( سابقاً مقاطعة الأديغي ذات الحكم الذاتي ) إلى أقسام استناداً إلى تنوع اللهجات ( أو اللغات ) أي الشعوب فيها .


لماذا ذلك ؟ و ما السبب وراء ذلك كله ؟! ببساطة ، إنها الموقف القومجي الروسي المغلف بالسياسة الرسمية الروسية و التي ضربت عرض الحائط بالكثير من المبادئ الإنسانية التي أعلنتها - عقب الثورة الاشتراكية - سواء للشعوب المحتلة من قبل روسيا القيصرية ، أو للعالم أجمع .


هي سياسة البعد عن الديموقراطية ، أو سياسة التسلط التي تتطلب سياسة فرق تسد ، أو ما يمكن أن نسميه باختصار و وضوح أكثر: سياسة سايكس – بيكو : النموذج الروسي ( 4 ) .


إن هذه السياسة الرعناء هي سبب الكثير من المشاكل و العلل التي ظهرت في القفقاس حتى الآن ( ناغورني كاراباخ – أوسيتيا الجنوبية – أبخازيا – أدغاريا – الشيشان ) ، أو تلك التي لم تظهر بعد ، و على كل الأصعدة سواء الأمنية أو الاجتماعية أو الاقتصادية أو السياسية ( 5 ) ، و حرب القفقاس الأخيرة بين روسيا و جورجيا في عام 2008 هي آخر نتاج واضح للرأي العام العالمي لتلك السياسة الغير مبدئية بل و المدمرة أيضاً ، رغم أن نتائجها أثلجت صدورنا هذه المرة ، فقد أعادت الحق إلى نصابه رغم عدد من الدوافع الغير مبدئية للحكومة الروسية لخوض تلك الحرب - حروب النفط و النفوذ و ليس الحرص أو الاعتراف بحق الشعوب بالاستقلال أو تقرير المصير ، ولو كانت غير ذلك لما تدمرت غروزني – عاصمة جمهورية الشيشان القفقاسية عن بكرة أبيها قبل عقد أو يزيد من السنين .


و على تلك الأرضية من التفكير السياسي الأناني والمتخلف ، والذي لم يبعدها في هذه المنطقة - القفقاس عن الأسلوب السياسي الاستعماري ( 6 ) و لكن المبطن بالأيديولوجيا المتقدمة و الإنسانية هذه المرة : لم تدمج الكيانات القومية الحالية للشركس ( الأديغة ) - و التي أنشأتها دولة الثورة في روسيا القيصرية - في كيان واحد رغم العديد من الحقائق التاريخية و العرقية و اللغوية الموحدة ، ورغم التلاصق الجغرافي بين هذه الكيانات ( القبرتاي – تشركيسك – الأديغي – أبخازيا ) ( 7 ) .


و لزيادة الامعان في التقسيم و خلق تمايز مصطنع بين هذه الكيانات عسى أن يكبر مع الأيام ، أي لترسيخه ما أمكن إلى الأبد ، أصبح هناك تنظير لوطن متميز ، و للغة متميزة بالتالي لكل جزء من هذه الكيانات التقسيمية المصطنعة .


مثال آخر في هذا السياق : لجأ المختصون الأكاديميون الروس الذين وضعوا الأبجدية السلافية للغتنا الشركسية ( لغة الأديغي ) في القفقاس ، و طبعاً ليس بمحض الصدفة ، أي ليس لأسباب أكاديمية ، لجؤوا إلى اعطاء بعض الحروف السلافية معاني صوتية في اللغة الشركسية في جمهورية القبرتاي ذات الحكم الذاتي في حينها ، غير تلك التي اختيرت لنفس الحروف (السلافية) في اللغة الشركسية في مقاطعة الأديغي ذات الحكم الذاتي المجاورة لها ، و ذلك لمجرد اظهار أن هناك لغتين ، ثم شعبين ، و بالتالي لا بد من كيانين منفصلين – غير متحدين و لو كانت هذه الفروق طفيفة أو هزيلة .


لقد تريثت كثيراً قبل كتابة مبادرتي هذه ، عسى أن أجد أو ألاحظ أن أحداً انتبه لهذه الصياغة في الخبر المذكور و لمدلولاته الخبيثة جداً ، رغم أنه خبر قصير بل و قصير جداً و لم يتعدى السطر الواحد ، أو أن أحداً رغم انتباهه ( و أظن أن الكثيرين قد التقطوا المعاني السلبية لهذه الصياغة ) قد بادر أو حاول التصحيح و لفت النظر ، و لهذا برأي دلالات سلبية على مستوى المبادرة العامة في مجتمعنا الشركسي ( الأديغي ) و أنا واحد منهم طبعاً .


و لأن الصعوبات و التحديات و التشوهات التي تحيط بوطننا الأم و بشعبنا في أماكن تواجده أو شتاته هي كبيرة و جسيمة ، فلا بد لنا إلا الدعوة لبذل المزيد من المبادرة و الإقدام و على كل مستوى : فردي أو جماعي ، رسمي أو شعبي للتعاطي إيجابياً مع هذه التحديات أو المخاطر و خاصة عبر وسائل الفكر و الثقافة و الإعلام .


و نظراً لتزايد نفوذ النفس القومجي السلافي في الكريملين الروسي في الفترات الأخيرة ، فإن الكيانات الادارية – السياسية ضمن الاتحاد الروسي الممثلة لشعبنا على هزالتها و هشاشتها المثيرة للقرف أو الاستهزاء أحياناً بات محتملاً إلغاؤها ، و الذين رضوا بالهّم سيجدون أنه لم يعد يرضى بهم ( 8 ) بعد الآن بذريعة الإصلاح الإداري هذه المرة – و الذي كان يروج له السيد بوتين ، و بمعنى آخر فإن وجود وطننا التاريخي و لو شكلياً على الخارطة كما يقال ، و كذلك وحدة شعبنا و حتى وجوده بات الآن مهدداً بالضياع أكثر من أي وقت مضى ، و هو حق مقدس دفعنا له كشعب الثمن الغالي في السابق ، و لا يجوز أن نفرط به في اللاحق .


لنعمل جميعاً و بهمة أكبر و لنوحد و ننظم هذه الجهود من أجل أن يبقى حلمنا و احساسنا بأننا شعب واحد و تاريخ واحد و أرض واحدة ، و الأهم مصلحتنا و طموحاتنا واحدة و في مقدمتها حق العودة لمن شاء و متى شاء من أبناء شعبنا من أجل لم الشمل في وطننا التاريخي وهو أهم خطوة في طريق إلغاء نتائج الغينوسايد الشركسي والتي رفض حكام الكرملين الإقراربه حتى الآن من أشرفهم حتى أكثرهم خساسة و همجية ، وبدون حق العودة (و أقصد الحقيقي و ليس الشكلي أوالمقطع الأوصال كما هو الحال الآن ) لن يستعيد القفقاس الغالي و الرائع أحلى رأسمال وهبته إياه الحياة و هو أبنائه الذين لم ينسوا و لن ينسوا حبه و الانتماء إليه مهما كان ، و اسمحوا لي أن أعيد التأكيد عليها في كل المناسبات .


و لا بد من أجل ذلك من أن نتصدى و بفعالية تطال حتى الطفل الصغير ، لكل محاولات الإلغاء أو التهميش أو التشويه لحقوق شعبنا من أية جهة ، كانت همجية أم قديسة ( كما نظن ) ، و لتكن أول أدواتنا ، الفكرة و المبدأ و الأديغة خابزة ( 9 ) التي تجمعنا منذ زمن بعيد ، و غرسها في نفوس أبنائنا قبل أن يجف و يصلب عودهم .


و هو رد سيكون بلا ريب مفعماً بكل أشكال الوعي الحضاري و الانساني .

نامق أرسلانوق

الملاحظات و الهوامش :


( 1 ) :( في لغة الأديغي : شوغه ماف ) : يعبر هذا اليوم عن الغينو سايد الذي قام به النظام القيصري في روسيا بعد انتهاء الحرب الروسية القفقاسية في 21 أيار 1864 ، تتلك الحرب التي استمرت أكثر من مائة عام و شملت شمال القفقاس كله من الداغستان و حتى شواطئ سوتشي على البحر الأسود ، خسر خلالها الجيش القيصري الروسي أكثر من مليون جندي ، و خسر فيها الشعب الشركسي ( شعب الأديغي ) حوالي المليون شهيد بين مقاتلين أو ضحايا مدنيين خاصة بعدما بدأ تطبيق سياسة الأرض المحروقة من قبل الجنرال الروسي Lazarov بغاية كسر شوكة المقاومة العنيدة لشعب الأديغي ، و تكريماً لانجازاته سمى القيصر الروسي مدينة باسمه على أراضي شعب الأديغي ( الشركس ) و تقع على الساحل الشرقي للبحر الأسود .

( 2 ) : االشركس هم ابناء و سكان شمال غرب القفقاس الأصليين Circassian )) و معروفين بهذا الاسم بشكل خاص في منطقة تركيا و الشرق الأوسط ، و هم يسمون أنفسهم باسم : الأديغي ، و بغاية التوضيح نستعمل الاسمين معاً أحياناً .

( 3 ) : في مقاطعة كراسندار كراي – روسيا الاتحادية لا يعترف بالشراكسة الشابسوغ ( احدى قبائل الشعب الشركسي و تسكن تاريخيا شواطئ البحر الأسود حول مدينة سوتشي ) كقومية رغم انهم يعيشون في موطنهم التاريخي بين سوتشي - المنتجع المفضل لقيادات الكريملين منذ أن احتلوه قبل 150 عام - و توابسه .

( 4 ) : من سخريات الأمور أن الدولة الروسية الوليدة بعد ثورة أكتوبر هي التي نشرت و فضحت اتفاقية سايكس – بيكو الموقعة في نهاية الحرب العالمية الأولى و المحفوظة في أرشيف وزارة الخارجية خلال الحكم القيصري ، و قد سميت باسم وزيرا خارجية انكلترة و فرنسا و قسما بها منطقة الشرق الأوسط – هي مثال صارخ للسياسة الاستعمارية في تقاسم النفوذ و تقسيم المناطق لتسهيل التحكم بها و السيطرة عليها ، و نتائجها المدمرة للآن مستمرة من خلال الحروب و عدم الاستقرار في الشرق الأوسط.

( 5 ) : لماذا تقسم اوسيتيا بهذا الشكل الفظ و الجائر إلى قسمين و يلحق كل منهما إلى كيانين اداريين متمايزين ( جورجيا و روسيا الاتحادية – جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق ) و هما في كل حال يتبعان إلى أو يقادان من قبل نفس الجهات الوصية أو الحاكمة في الكريملين الروسي قبل و بعد هذا التقسيم , و كذلك الحال مع أبخازيا.

( 6 ) : كل ما هو أجنبي و معارض للحرية و حق تقرير المصير هو استعمار مهما كان عنوانه .

( 7 ) : للمقارنة – قسمت سلطات الاستعمار الفرنسي سوريا إلى مجموعة دويلات : دولة دمشق ، دولة حلب ، دولة حمص .... التجزئة بغاية تسهيل السيطرة و إدامة النفوذ الاجنبي على سوريا .

( 8 ) : إشارة إلى محاولات بعض الجهات المتنفذة في الكريملين لحل جمهوريات القفقاس و التي بدأت بالسعي أولاُ إلى حل جمهورية الأديغي ( الحلقة الأضعف كما كانوا يظنون ) و إعادة ضمها إلى مقاطعة كراسندار وذلك في عامي 2005- 2006 و التي حسمها رئيس جمهورية الأديغي السابق السيد سوفمان حظرات بموقفه القاطع و الرافض لكل تلك المحاولات و المعزز برفض شعبي واسع و علني .

( 9 ) : الأديغة خابزة : تسمية يطلقها الشركس ( الأديغي ) على منظومة العادات و التقاليد و الاتكيت التي تحكم أدبياً علاقاتهم الاجتماعية و الأسرية ، الخاصة و العامة ، و تعتبر بمثابة القانون لهم ، و هم يفتخرون بها و يحرصون على التمسك و التذكير بها بين بعضهم رغم كل وتائر و مؤثرات الحياة الحديثة . تتميز باحترام و قوننة الاختلاط بين الجنسين و المبني على الاحترام الشديد المرأة و خصوصياتها.


http://www.circassianews.com/documents/views_and_analysis.php?title=(بمناسبة-يوم-الحزن-الشركسي-–-شوغه-ماف-(1&entry_id=1243116300&comments=comments

0 التعليقات: