الثلاثاء، 22 يوليو 2008

ظواهر في العالم الشركسي

ظواهر في العالم الشركسي

رغم التحديات الخطيرة التي تواجه الشعب الشركسي خاصة في الوقت الحالي، وتهدد هويته وفكره القومي وتهدف الى القضاء على خصوصيته، كشعب يملك فكر وثقافة وهوية تميزه عن غيره من الشعوب شانه شان اي شعب اخر ،الا انه يلاحظ غياب اي مشروع ذو بعد قومي متكامل يهدف الى الحفاظ على الهوية القومية للشعب الشركسي، بل ان المشاريع الموجودة على ارض الواقع لا ترتقي الى مستوى التحديات التي تهدد بالقضاء على قومية هذا الشعب ، ولا يستغرب المرء وجود بعض الاراء الشركسية التي تحاول تقديم حجج يراها البعض واهية لتفسير عدم وجود اية مشاريع قومية بالمستوى المطلوب لغاية الان ،حيث يصدم المتتبع للقضايا الشركسية من هول ما يراها من تدمير للفكر والهوية القومية الشركسية على ايدي الشراكسة انفسهم، فيظهر الشعب الشركسي كما لو كان في حرباً شعواء على قوميته وهويته فيظهر من المفكرين او المثقفين الشراكسة (سمهم ما شئت) يحاول ايجاد تعريف مثلاً لمعنى كلمة قومية، متناسيا جوهر المشكلة فيعمل على تشويه الحقيقة والابتعاد عن جوهرها وايقاع الجميع في مشكلة تعريف كلمة القومية، وبشكل يظهر الغرور وحب الانا العليا و غيرها من مفردات علم النفس ، ويحاول البعض ايجاد بعض الحجج لتفسير حالة الانحطاط في الفكر القومي الشركسي معتمداً على الظروف الغير مواتية التي حصلت للشعب الشركسي متناسياً ايضاً انه ليس الشعب القفقاسي الوحيد الذي عانى من هذه الظروف بل ان هناك شعوب اخرى عانت من ظروف اسوء بكثير ولكنها حافظت على فكرها وهويتها القومية،ويطول الحديث في الجريمة التي ترتكب من قبل ابناء الشعب الشركسي بحق شعبهم، والاصرار الغريب على (النقاشات البيزنطية) التي ستتحول مع مرور الزمن باذن الله تعالى الى( نقاشات الشركسية) لضرب المثل في عقم الحديث و عدم الاستفادة منه وتتناول هذه المقالة بعض من الظواهر الموجودة في العالم الشركسي وهي: 1- غياب مسألة الدعم المادي 2- الخطاب الشركسي 3- المفاهيم القومية المشوهة.أولاً: مسألة الدعم المادي: قد يكون من اسباب عدم وجود اي مشروع قومي شركسي يرتقي الى مستوى التحديات التي تواجه هذا الشعب هو الدعم المادي حيث يمكن القول ان هذا السبب ياتي بعد السبب الاول و هو غياب التربية القومية التي تهدف الى وجود فكر و هوية قومية صحيحة غير مشوهة مثل الموجودة حالياً حسب ما يراه البعض ، حيث يلف موضوع الدعم المادي الغموض و يثير العديد من تساؤلات خاصة في ظل وجود طبقة لا باس بها من الاغنياء في المجتمع الشركسي ووجود امكانيات ضخمة غير مستغلة قادرة في حالة استغلالها على انشاء مشاريع قومية ذات تاثير كبير جداً قادرة على الوقوف في وجه اي تحدي مهما كان ، ويمكن القول ان الدعم المادي مهم جدا لنجاح اي مشروع عادي فكيف بالنسبة الى المشروع القومي! حيث ان اضافة الدعم المالي الى العناصر الاخرى مثل التنظيم والتخطيط والتوجيه والرقابة وغيرها تؤدي في النهاية الى تحقيق النتيجة المرجوة ، ولكن في الحالة الشركسية يرى البعض وجود غموض كما ذكرنا سابقاً اضافة الى مجموعة كبيرة من المعوقات حيث انه لابد من الاشارة الى بعض النقاط التالية وتوضيحها لايجاد تفسير لعدم وجود عنصر الدعم المالي في المشاريع القومية الشركسية لغاية الان و محاولة الوصول الى حلول او اقترحات لحل هذه المعضلة وهذه النقاط هي :1) غياب التربية القومية الشركسية.2) اهمية الدعم المالي.3) معوقات وجود الدعم المالي. وبالنسبة للنقطة الاولى فانها تعتبرفي نظر البعض اساس المشكلة حيث ان غياب التربية القومية يعتبر هو المعيق الاول والاهم لايجاد المشاريع القومية وبالتالي فان الحديث عن وجود دعم مالي لا يمكن تخيله في ظل غياب هذا النقطة حسب ما يراه البعض ، ولكن يرى اتجاه اخر ان الاستسلام للامر الواقع مرفوض وانه هناك العديد من ابناء الشعب الشركسي الذين يتحلون بالروح القومية وعلى الرغم من كونهم اقلية فانهم من الممكن ان يلعبوا دور الاساسي في انقاذ شعبهم حيث انه عادة تقوم النخب بقيادة الشعوب الى تحقيق اهدافها ولهذا فانه لابد من تتولى النخب القومية زمام المبادرة وتطيح بما يسمى المجموعات المسيطرة في المجتمعات الشركسية و يرى هؤلاء ان الوقت قد حان لهؤلاء القوميون ان يهبوا لانقاذ شعبهم وذلك بتشكيل مؤسسة او منظمة او هيئة او غيرها لتكون هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الشركسي تعمل على نقل القضية الشركسية الى المحافل الدولية وتدويلها وتنهض بمشروع قومي متكامل ياخذ على عاتقه حماية حقوق الانسان الشركسي وتعويضه عن السنوات الطويلة من التشرد والابادة والضياع وقتل الروح وتمزيق الذات وترفع راية الشعب الذي لعب دور المنقذ لغيره من الامم لعقود طويلة وارجاع هيبته التاريخية وتحقيق هدف المهاجرين الشراكسة الاوائل الذين تركوا وطنهم مكرهين و في اذهانهم فكرة واحدة فقط وهي (لن ولم ننسى ابداً وطننا القفقاس سنعود مهما طال الزمان) حيث يلاحظ وجود عدد كبير من المؤسسات او المنظمات الممثلة للشعب الشركسي (باختلاف انواعها) لكن دون وجود اي تاثير ملموس على الواقع الشركسي نتيجة تشرذمها وعدم وجود تكامل بين هذه المؤسسات او المنظمات والتي تشترك جميعها في عدة نقاط اساسية هي:1- الافتقار الى عقيدة فكرية قومية واحدة(عدم وجود مرجعية واحدة للعمل القومي المشترك).2- الضعف في التنظيم والتخطيط.3- عدم توفر ادوات التاثير خاصة الاعلامية منها( عدم القدرة على التاثير او توجيه الشعب الشركسي).4- القصور الواضح في استيعاب احتياجات الشعب الشركسي القومية.5- سيطرة المجموعات المسيطرة على معظم هذه المؤسسات. ويقود الحديث السابق الى النقطة الثانية وهي اهمية الدعم المالي لاي مشروع شركسي قومي ، حيث ان هذا الدعم يؤمن اولا ارضية ثابتة للانطلاق باي مشروع كما انه يؤمن الاستقلال المادي والابتعاد عن امكانية استغلال الجهات الاخرى لهذه القضية لتسوية حسابات اخرى، ويظهر هنا العديد من الاتجاهات في الاوساط المجتمع الشركسي وهي تتباين بين المؤيد و المعارض ومن يرى ان مثل هذا الحديث هو مجرد مضيعة للوقت، حيث يلاحظ عدم الاهتمام التام من قبل ابناء المجتمع الشركسي .وفيما يتعلق بما يسمى معوقات وجود الدعم المالي فانه يمكن القول:1- ان اولى هذه المعوقات ترتبط بالعقيدة الفكرية والتربية القومية للانسان الشركسي فتظهر عدة تساؤلات مثل :- هل يدرك الانسان الشركسي الحاجة الى ايجاد مشروع مثل صندوق الدعم الشركسي مثلاً؟؟- وهل هو على دراية بحقيقة واقعه ؟؟ هل يشعر بوجود خطر يتمثل في انصهاره في محيطه وفقدانه لمكوناته كشعب؟؟- هل تلقى او يتلقى الانسان الشركسي في اي مرحلة في حياته بعض التوجيهات القومية؟؟ وهل هو مرتبط بوطنه الام و ارض اجداده؟؟ هل يستوعب مفهوم الوطن ؟؟وهل يمثل له اي شيء ؟؟ وهل يفرق بين الوطن(المهجر) و الوطن الام؟؟جميع التساؤلات السابقة وغيرها لا تلقى اجابة شافية وفي بعض الاحيان تكون الاجابة عليها سبباً للذعر والخوف والتيقن من اقتراب نهاية الشعب الشركسي كما يرى البعض، وعلى اية حال تظهر هنا الحقيقة التالية: ان من اوائل المعوقات هي غياب الوعي القومي وبالتالي فان مسالة وجود صندوق للدعم القومي لا تلقى اي اهتمام او انتباه من قبل ابناء الشعب الشركسي.( الافتقار الى عقيدة فكرية قومية واحدةوعدم وجود مرجعية واحدة للعمل القومي المشترك).وبرأي البعض فان هناك مشكلة في: لماذا ولمن ومن يجمع التبرعات ؟ الاجابة على هذه الاسئلة ممكنة فلو تم اخذ السؤال الاول: - لماذا تجمع التبرعات ؟ يمكن القول ان الاجابة لهذا السؤال تكمن في اعادة احياء الهوية والتربية القومية الشركسية ، حيث يقع على عاتق القوميين من ابناء المجتمع تمثيل ابناء شعبهم والاطاحة بزمرة المجموعات المسيطرة(يقصد بهم بعض زعماء ووجهاء المجتمعات الشركسية المختلفة ، وهم نتاج طبيعي لعملية التشريد والتهجير في المهجر ونتاج طبيعي أيضاً لسياسة الترويس في القفقاس) التي لا هم لهم سوى مصالحهم الشخصية والذين لا يمتلكون اي حس قومي بل يمتلكون مخزون هائل من الجهل وعدم المام بمتطلبات شعبهم ، وبوصول القوميون او حتى مشاركتهم لتلك المجموعات المسيطرة التاثير على ابناء شعبهم ليتمكنوا مرة اخرى من غرس تربية قومية واحدة تقوم على مبدأ الارتباط بالوطن الام وعدم نسيان تضحية الاجداد وتحقيق حلمهم بالعودة الى ارضهم والمحافظة على الشخصية الشركسية المستقلة عن غيرها وصون واستعادة حقوق الشعب الشركسي ، بالاضافة الى تحقيق التلاحم بين ابناء الشعب الشركسي في اي مجتمع اينما كان ، فرص الصفوف حول فكرة وعقيدة واحدة ستؤدي الى التسابق في تحقيق المصلحة العليا للابناء الشعب الشركسي والقاء الخلافات الشخصية(وهي الاهم) جانباً ، وبعد غرس الروح القومية وايجاد فكر قومي واحد لن يجد اتباع المجموعات المسيطرة سوى الابتعاد عن المجتمعات الشركسية ، وسيصبح كل انسان شركسي راغباً في التبرع والمشاركة في المشاريع القومية بل انه سيصبح متابعاً وعن كثب للاخبار التي تهم الشراكسة اينما كانوا ، ولكن تظهر مشكلة تقوم على افتراض رفض الاغنياء من أبناء المجتمع الشركسي التبرع (وهذا حق لهم من وجهة نظر المعادين للقومية الشركسية) ويمكن القول ان الانسان بعد ان يحقق ثروة من المال يسعى الى ايجاد مكانة اجتماعية في مجتمعه والغني الشركسي الذي يرفض المشاركة في عملية التبرع يمكن بكل بساطة تهميشه من المجتمع الشركسي وهذا الامر طبعاً بحاجة الى شجاعة ليس لها مثيل لدى أبناء المجتمع الشركسي كلهم ، حيث ان التهميش سيضع الشخص الغير متعاون امام خياران اما المغادرة او الانصياع ولا خوف من مغادرته لان بقية المجتمعات الذي سيحاول ايجاد زعامة وحضور لديها ستطالبه بنفس المطلب عندها سيصبح الامر متوقف على طموح هذا الشخص الغير متعاون ، فأذا كان طموحاً سيعود الى المجتمع الشركسي راضخاً لمطالب شعبه القومية بل انه عندما يهمش من ابناء مجتمعه سيهمش من قبل الاخرين من ابناء المجتمعات الاخرى وبالتالي لن يلقى اي اهتمام من قبل السلطات الرسمية التي لن تلتفت الى شخص مرفوض من مجتمعه ، ومن ناحية الاخرى قد يكون من المجدي متابعة وحث الاغنياء الذين لا يسعون لاكتساب موقع اجتماعي ، عبر تشجعيهم وتكريم تبرعاتهم بل فتح المجال امامهم لتمثيل ابناء الشعب الشركسي في حالة توفر الشروط والصفات المناسبة فيهم(وهذا مجرد اقتراح).- اما سؤال لمن تجمع التبرعات ؟ الاجابة هنا تكون عبر شقين :الشق الاول: الطبقة الفقيرة في مختلف المجتمعات الشركسية هي الاولى بنظر البعض لتلقي جزء من هذه التبرعات وخاصة مجتمعات المهجر فالشراكسة لم يتم استقبالهم بالورود عندما هاجروا بل كان هناك العديد من الصدامات والمشحنات ولم تصمد تلك المجتمعات الشركسية سوى بتوحد ابناءها وقتها كان الاغنياء اقلاء ولكن هذا لم يمنع من توحد وتضافر جهود الجميع الفقراء والاغنياء معاً لضمان بقاء وصمود مجتماعاتهم وبالتالي فلا بد من ان يتذكر الجميع تلك الفترات القاسية التي كانت اموال الغني الشركسي لا تغنيه عن اخيه الفقير الشركسي ، ولهذا فان المحافظة والاقتناع بفكرة ضرورة التلاحم من اجل البقاء لا بد من التحلي بها كما يرى البعض.الشق الثاني: ان وجود تمايز بين المجتمعات الشركسية في المهجر سمة لا بد من الاستفادة منها ، ويمكن شرح ذلك من خلال مثال بسيط (من اجل التوضيح) هناك مجتمعات شركسية في المهجر يعاني ابناءها من اتساع الفجوة بين الاغنياء والفقراء وهذا الامر يؤدي الى اشتداد نسب الفقر بحيث اصبح هناك اعداد من الشراكسة دون املاك(عقارات من منازل او اراضي) واصبح العديد منهم يبحث عن العمل في خارج الدولة التي يقيم بها ، ومن الممكن الاستفادة من هذا التمايز بتوفير السكن والعمل بمشاريع صغيرة للفقراء من ابناء الشعب الشركسي والذين يرغبون بالعودة او الذين ان صح التعبير ليس هناك ما يخسروه في حالة العودة الا الاشتياق الى الاحبة والاصدقاء وبتبرعات الاغنياء من ابناء الشعب الشركسي( والاستفادة هنا من الفرق في صرف العملة بين الروبل وغيره من العملات الاجنبية) يمكن تامين السكن والعمل للعائدين من ابناء الشعب الشركسي وهكذا يقدم الفقراء العنصر البشري بينما يقدم الاغنياء العنصر المادي للانجاح المشروع القومي الشركسي الاهم وهو العودة الى ارض الوطن الام حسب ما يراه البعض ، ويرتبط هذا الامر ايضاً بتوفير مستوى عالي من التنسيق والتعاون بين شراكسة المهجر والوطن الام وذلك خوفاً من الوقوع اية اشكالات بين الشراكسة انفسهم ، وهذا مجرد مثال للتوضيح كما ذكر سابقاً ، وهو ليس بالامر السهل فهو بحاجة الى دراسات موضعية وواقعية يرتبط بها مستوى عالي من الفكر والتخطيط والتنظيم وقدرة هائلة او آلية قوية قادرة على ترجمة الدراسات على ارض الواقع.- اما بالنسبة الى السؤال من يجمع التبرعات ؟؟ او ما هي مصادر هذه التبرعات ؟؟ قد تكون الاجابة المفترضة هي التبرعات المقدمة من ابناء الشعب الشركسي ، ولكن من يجمع هذه التبرعات؟؟ الجمعيات ام المؤسسات(في حال وجدت) ام المنظمات؟؟ بالنسبة للجمعيات يجب التذكير بانها تخضع في دول المهجر لقوانين وانظمة معينة لا تسمح لها مثلاً بتمويل اعادة بعض الشراكسة الى وطنهم الام او تقديم الدعم المالي الى منظمة شركسية على ارض القفقاس ، وهذا امر طبيعي جداً فلا يعقل ان يحول العمل الخيري في الجمعيات الى عمل قومي ذو امتدادات بعيدة ، اما الجمعيات في القفقاس فان الرقابة الموجودة عليها تمنعها حتى من فتح شبابيك ابنيتها فكيف بجمع التبرعات؟؟!!! والمنظمات او المؤسسات الشركسي فهي كما ذكر سابقاً مبعثرة وعديدة ولا يوجد منها من هومؤهل لتمثيل الشعب الشركسي(الضعف في التنظيم والتخطيط وعدم توفر ادوات التاثير خاصة الاعلامية منها ) فهي لا تملك اية وسائل للتاثير على الانسان الشركسي او توجيهه بل ان بعضها لا يتمتع باي نوع من المصداقية لدى الانسان الشركسي، كما تجدر الاشارة الى ما ذكر سابقاً حول سيطرة المجموعات المسيطرة على معظم هذه المؤسسات. ولكن لو كان هناك تنسيق وعمل مشترك بين المؤسسات والجمعيات الشركسية لامكن ايجاد منظمة شركسية تختص بهذا العمل بحيث يكون مركزها في احدى دول التي يمكن ان تتمتع بها بهامش كبير من الحرية(احدى المنظمات الشركسية في اوروبا او الولايات المتحدة مثلاً) وتعمل هذه المنظمة على فتح حسابات بنكية لها في جميع دول المهجر الشركسي مهمتها جمع التبرعات لدعم المشاريع القومية الشركسية مثل مشروع العودة او اقامة قناة فضائية عالمية او الاستثمار في القفقاس ( بشكل جدي وواضح)، وجدير بالذكر ان هناك منظمة شركسية جديدة تهدف الى تحقيق الغاية اعلاه وتم تاسيسها في بلدة (كفركما) وهي تعنى بموضوع العودة فقط وتعمل على جمع التبرعات لتوفير المساكن والعمل لمن يرغب بالعودة من ابناء الشعب الشركسي وهي تخطط لتولي امور العائدين بحيث تبقى هناك هيئة تتابع اوضاع العائدين وتقديم النصح و الارشاد ومختلف انواع المساعدة لهم (اضافة الى الدعم المالي) وطبعاً فان هذه المنظمة ونتيجة لانعدام التعاون بين المؤسسات الشركسية ما تزال مجهولة وقد لا تستطيع بلوغ غايتها نتيجة عدم القدرة على التواصل مع ابناء الشعب الشركسي ، و هذا الامر يحصر مهمتها ويجعلها في غاية الصعوبة . ثانياً: الخطاب الشركسي: ويرى البعض الاخر ان الاوان قد فات للحديث حتى عن مثل هكذا موضوع بينما يرى البعض ان الحل ممكن وقريب.وبالنسبة للرؤيا الاولى فان اصحابها يرون انه لا بد من تفكير بشكل واقعي والاعتراف او الاقتناع بان الحديث حول قومية الشعب الشركسي وما ينبثق عنها هو امر قد اكل عليه الزمان وشرب حيث ان الشعب الشركسي قد كون عبر السنين قومية خاصة به تتفق مع محيطه و هذا امر واقع، فالشراكسة بالمهجر مثلاً يدينون بكل اوجه الولاء للمجتمعات التي يعيشون فيها وهم قد تاقلموا واندمجوا فيها مع محافظتهم على طابعهم الشركسي، وبالتالي فان مفردات مثل القومية والعودة وحل جمهورية الاديغية وغيرها هي مفردات يمكن التعاطف معها فقط، ولا ينبغي لها ان تتعدى ذلك، بالنسبة لمشكلة جمهورية الاديغية مثلاً فهي امور تخص شعب الاديغية حيث يمكن رفض هذا الكلام والتعبير عنه بطرق الخطابية فقط( ان صح التعبير) ، وهذا ما يلاحظ فعلاً على ارض الواقع فلو تم تطرق الى الخطوات المتخذة مثلاً من قبل الجمعيات الشركسية( للتعاطف ) مع مشكلة الاديغية فانه سيلاحظ انها تركزت على الرفض وارسال الرسائل الى السلطات الروسية بذلك والحديث عن الموضوع عندما يسئل عنه فقط !! ويمكن القول ان الاجراءات فعلاً كانت اقل من المطلوب بكثير فما المعنى(كما يرى البعض) من توجيه رسائل الرفض هذه للسلطات الروسية في الوقت الذي تعتبرفيه هذه السلطات لدى الراي العام العالمي دولة شمولية واوضاع حقوق الانسان فيها متردية رغم تحولها الى النظام الديمقراطي الحر!؟ ويرى احد القوميين ومفكرين الشراكسة انه كان الاجدى بالجمعيات والمؤسسات الشركسية ان تتخذ مجموعة من الخطوات هي:- البدء بحملة اعلامية بين اوساط المجتمعات الشركسية لجذب الانتباه واظهار خطورة الوضع من اجل ايقاظ الشعور القومي وتاثير به وذلك من خلال اغراق المجلات والمنشورات التي تصدر عنها بالمواضيع التي تتحدث عن حل الجمهورية وعقد الندوات والمحاضرات حول ذات الموضوع وتناول القضية من خلال عدة ابعاد كالقانون الدولي مثلاً وغيره، ونشر الصور المعبرة ذات المغزى في كل اقسامها( مثل صورة مبنى رئاسة الجمهورية في الاديغية وفوقه العلم الشركسي) لاظهار الحاجة الى الشعور القومي وجعل الموضوع الهم الشاغل للرؤساء الجمعيات والمؤسسات بحيث يصبح حديث الشارع او المجتمع الشركسي (اي نشر المشكلة والتعريف بها باسلوب قومي بحت)،ثم البدء بعملية منظمة لجمع التواقيع الداعمة لبقاء الجمهورية بطريقة منظمة وارفاق هذه التواقيع برسائل يتم صياغتها بشكل متمكن .- التعاون ما بين الجمعيات والمؤسسات الشركسية فيما بينها لارسال هذه التواقيع الى مؤسسة او منظمة شركسية تتمتع بهامش كبير من الحرية(مثل الجمعيات والمؤسسات الشركسية في الولايات التحدة) حيث يتم توجيه هذه الرسائل مع العدد الضخم من التواقيع الى المنظمات الدولية المختصة مثل( الجمعية العامة للامم المتحدة او منظمة الامم و الشعوب الغير ممثلة-الاقليات او البرلمان والمحكمة الاروبية وغيرها) ثم توجه هذه الرسائل الى وسائل الاعلام العالمية في محاولة لكسب تاييدها وبعدها الى السفارات الروسية في الخارج ثم الى السلطات الروسية .- توجيه هذه الرسائل الى وسائل الاعلام في جمهورية الاديغية والى رئاسة الجمهورية والمؤسسات الشركسية هناك ، ويمكن تخيل شعور المواطن الشركسي في مايكوب مثلاً عندما يعلم ان هناك مليون توقيع يرفض اصحابها حل الجمهورية وما يصاحبه من ارتفاع في الروح المعنوية لدى جميع ابناء الشعب الشركسي نتيجة للشعور بهذا التكاتف القومي على اقل تقدير .بالتاكيد ماسبق قد ياتي بنتائج ممتازة او جيدة ولكنه لن ياتي اطلاقاً بنتائج سلبية اي ان اكبر قدر من المنفعة سيتم تحصيله.و مثال آخر يجسد عدم قدرة القيادات في المؤسسات والجمعيات الشركسية على استيعاب احتياجات الشعب لشركسي القومية فلقد قامت احدى منظمات حقوق الانسان الروسية بالسماح للزوار موقعها الالكتوني(www.8voprosov.ru) بتوجيه اسئلة الى الرئيس الروسي المقبل فكانت المفاجئة ان عدد كبير من الاسئلة كان من قبل الشراكسة وقد تركزت الاسئلة على السياسة التي ينوي اتباعها الرئيس الروسي المقبل ازاء القضايا الشركسية، والغريب بالامر ان معظم رؤساء وممثلي المؤسسات والجمعيات الشركسية لا علم لهم بهذا الامر بل ليس هناك اي نوع من المتابعة من قبلهم لمثل هذه المواضيع وهذا الامر يؤكد ضرورة تولي اصحاب النزعة القومية من الشراكسة مقاليد الامور اذا كان الشعب الشركسي شعباً ما زال ينبض بالحياة . ويمتد هذا الامر ليتناول حتى الخطاب الخاص بمؤسسات وجمعيات المجتمعات الشركسية فالشعب الشركسي بحاجة الى خطاب موحد يطلقه جميع المتحدثين باسم الشعب الشركسي هم بحاجة الى خطاب ذو غاية قومية يعتمد اسلوباً علمياً مدروساً يركز على تقديم المشاكل مع محاولات لحلها بطريقة عملية هذا الخطاب لا يد ان يتمتع بالشفافية وان يملك المتحدث القدرة على اجابة عديد الاسئلة وان لا يوجه الخطاب نحو فقدان القيمة والعنوان والغاية ، فالاعتماد على الخطب الانشائية (والتي لا تحتوي على اية قيمة سياسية بمعنى قومي) هي السمة الغالبة لمعظم الكلمات والخطب التي تلقى في المناسبات الشركسية، فمثلاً قرار منظمة الامم و الشعوب الغير ممثلة-الاقليات حول وضع الامة الشركسية و إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الشعوب الأصلية وخطاب الرئيس الروسي السابق بوريس يلتسن حول نتائج الحروب القفقاسية/الروسية ، لا يتم اعتماده في الخطب والكلمات الملقاة بل لا يتم الاشارة لها ويستعيض عنها بالسرد التاريخي المعتاد لتذكير بالماساة الشركسية في بداية كل خطاب وتناول صفات الانسان الشركسي الحميدة ثم ينتقل الى الحديث عن ضرورة تجاوز الماضي والكف عن البكاء والحزن وكيف يتم ذلك؟ بالتاكيد على ضرورة نسيان الوطن الام وترسيخ الانصهار في المهجر ، وبالتالي فان الخطاب الشركسي يبقى بلا قيمة موضوعية ولا يؤدي باية صورة الى عكس حقيقة الوضع الشركسي ويتعارض ويتضارب مع جميع المفاهيم القومية لاي شعب ،بل يرسخ مفهوم اللامبالاة وعدم المسؤولية اتجاه القضايا التي تمس حياة الانسان الشركسي ، وقد يكون السبب وراء بقاء الخطاب الشركسي بلا قيمة او غاية هو عدم المام الشخص المتحدث فكثيراً ما يكون هذا الشخص من المجموعات المسيطرة(ذكرت سابقاً) وهو يفتقر لاسس التربية القومية وغير مهتم لا من قريب ولا من بعيد سوى بكيفية لباسه والمآدبة او المناسبة التي سيحضرها لاستعراض نفسه، ولهذا يبقى الخطاب الشركسي بلا عنوان او مضمون فهو خطاب يهتم بالسرد التاريخي فقط دون ربطه بالتطورات التي تهم الشعب الشركسي وهو يفتقر للاسلوب العلمي ولا يمتلك غاية قومية في مضمونه،ويتسال احد القوميين الشراكسة حول وضع الشعب الشركسي بقوله: الم يتخذ الشراكسة من درس شراكسة كوسوفو درساً؟ الم يروا كيف كان الوطن الام هو الحل لهم الم ينتشلهم من بين براثن التطهير العرقي والابادة الجماعية؟ صحيح ان عودتهم لم تكن ناجحة 100% لكن على اقل تقدير نجوا من الموت، البعض بقي على ارض الوطن والبعض عاد ادراجه لكنه حافظ على حياته والسبب وطنه الام، بغض النظر عن أراء البعض الذين يريدون ابقاء العراقيل امام عودة الشراكسة الى وطنهم الام من خلال الحديث عن هذه العراقيل بشكل يحبط النفس ومن غير تقديم اية حلول او اقتراحات لتجاوزها فأن قضية شراكسة كوسوفو قدمت اضافة ثمينة جداً للعمل القومي الشركسي. ثالثاً: المفاهيم القومية المشوهة: (ويأخذ هنا رأي احد المفكرين الشراكسة) حيث يتسائل البعض ما سبب عدم وجود مراكز مختصة للدراسات الشركسية ؟ لماذا لا يوجد متابعة او رصد للاحداث او الاخبار في القفقاس؟ لماذا لا يتم انتاج بعض البرامج الوثائقية عن القفقاس او ترجمة الموجود منها ؟ لماذا لا يوجد صحف او مجلات شركسية تعنى بالقضايا الشركسية بشكل كامل ؟ وغيرها من التساؤلات ، الاجابة( الجاهزة) والمعدة سلفاً لدى جميع المؤسسات الشركسية (باختلاف انواعها) هي لا توجد اموال او الميزانية تسمح او هذه الامور لا تهم الشعب الشركسي؟؟!! وهي الاجابة القاضية ، ولكن لو تم اخذ الموضوع التالي :فرق الرقص الفلكلورية الشركسية تلقى دعماً مالياً واهتماماً ما بعده اهتمام ، لانها وفق المفهوم الشركسي للقومية حالياً هي الوسيلة الوحيدة والاكيدة للحفاظ على الهوية القومية وعلى الثقافة الشركسية، ولا بد من وجود اكثر من فرقة لدى جميع المجتمعات الشركسية ، اما توثيق التاريخ الشركسي او ترجمة بعض الكتب الشركسية او طباعتها او تشجيع الانتاج الادبي او اقامة مركز للدراسات او وكالة انباء او صحف او مجلات وغيرها من هذه الامور فهي امور مكلفة وهي ليست ذات قيمة ، اما الرقص الشركسي فهو يظهر عراقة هذا الشعب ويمجد شهدائه وابطاله وادباءه ومفكرية في الماضي والحاضر ، معادلة اكثر من غريبة ، تكلف فرق الرقص هذه حوالي (10) الاف دولار سنوياً على اقل التقديرات وكل مجتمع شركسي يوجد به ثلاث الى خمس او اكثر من هذه الفرق ، وكما ذكر سابقاً فان هذه الفرق هي محور اهتمام الشعب الشركسي الذي تمكن من حل جميع مصائبه وهمومه فلم يبقى له سوى الرقص للاستمتاع بنتائج مجهوده، والذي يقال انه شعب مقاتل وهو شعب مناضل ولكنه يفضل صفة الشعب الراقص !! عشرة الاف دولار كفيلة بترجمة عدد ضخم من الكتب او ايجاد صحيفة او مجلة تعنى بمتابعة الاحداث والتطورات في العالم الشركسي و هي كافية لتمويل العديد من الابحاث المهمة والاهم يمكن جمعها وجمع غيرها من العشرات لتمويل مشروع شركسي قومي ،حيث يمكن لو انه تم اعتماد فرقة واحدة فقط في كل مجتمع شركسي توفير مبلغ من المال كفيل بدعم اي مشروع قومي ، يمكن ترجمة افلام وثائقية او حتى انتاجها ، ممكن دعم قتاة فضائية خاصة مثلاً، معادلة غريبة تمجد اعلام الرقص الفنانون ابطال الشعب الشركسي ، ولكن الابطال والقادة الذين استشهدوا على ارض الوطن لا يستحقون كتاباً يرثهم او برنامجاً وثائقياً يذكر بطولاتهم! وحتى الابطال والقادة في العصر الحديث ابطال الحرب الابخازية والشيشانية مؤسسي الجمهوريات والكونفدرالية والمدافعين عن الشعب الشركسي في جميع المجالات والادباء والمفكرين لا يستحقون ان تصرف هذه العشرة الاف على تخليدهم ! مقالات ودراسات دولية عديدة تشيد بهؤلاء القادة والادباء والمفكرين بينما يتم نسيانهم وعدم الاكتراث بهم من قبل الشعب الشركسي،أليس هؤلاء هم جوهر الحقيقة اليس هم فخر الشعب الشركسي ؟ الا تكفي فرقة رقص واحدة لكل مجتمع شركسي؟!. للفن اعتباره واهميته ولكنه ليس عماد الشعب وهو ليس غايته، شعار الشراكسة لم يكن الرقص ، العلم الشركسي يحمل الاسهم وهي اداة حربية ، التاريخ الشركسي تاريخ مرير مليء بالتضحية والمآسي والموت ، ليس لاحد الحق ان يجرد شعباً كاملاً من حقيقته وان يضع حقيقة زائفة مثل الرقص!! ولكن مادام الفكر مفقود والعمل منقوص ومادام كل متكلم بالقومية مجنون وجبان فان الحقيقة الزائفة ستغطي الحقيقة الحقة . ويصل المتتبع للشأن الشركسي الى معادلة غريبة اخرى ففي ظل التشرذم وعد التنسيق وتولي من لا يصلح للتمثيل الشعب الشركسي ، تظهر ظاهرة غريبة ومدهشة وتبعث في النفس التفاؤل، وهي ما يشكله العدد القليل من القوميون الشراكسة من رعب وتهديد لاي مشروع يحاول النيل من حقوق الشعب الشركسي وقوميته ، لدرجة ان العديد من المقالات السياسية العالمية بدأت بالحديث عن اعادة شركيسيا الى الوجود وبدأت بطرح سيناريوهات لذلك ،وتكفي الاشارة الى ان السلطات الروسية بدأت بمراجعة حساباتها اتجاه القضايا الشركسية، ففي شهر كانون الثاني الماضي نشرت احدى المجلات الروسية المختصة مقال تحت عنوان (شركيسيا –الاطلنطي) حيث تناول المقال الاعتراف ببعض حقوق الشعب الشركسي ، المهم في هذا المقال هو ان كاتبه هو احد الخبراء الروس في السياسات القومية والمقربين بشكل كبير من الرئيس الروسي السابق فلاديمير بوتين ، الامر الذي يحسب للقوميين الشراكسة رغم قلة حيلتهم وهوانهم على ابناء شعبهم الشركسي!!! ان دعم القوميين سيؤدي الى تحقيق اهداف وغايات الشعب الشركسي فلقد حان الوقت لرؤساء وقيادات المجتمعات الشركسية لكي تغادر ويكفيه ما فعلته من خراب وتشويه في القومية الشركسية ، اما تركهم لوحدهم فهو قد يعني ان الشعب الشركسي هو فعلاً في شمس الغروب الاخير.
علي كشت

تجدد أعمال العنف في الجمهوريات الإسلامية الروسية ... «إمارة القوقاز» تنبعث مجدداً من داغستان وأنغوشيا... والمسلمون المعتدلون يترنحون

تجدد أعمال العنف في الجمهوريات الإسلامية الروسية ... «إمارة القوقاز» تنبعث مجدداً من داغستان وأنغوشيا... والمسلمون المعتدلون يترنحون
موسكو - رائد جبر الحياة - 18/07/08//

لا يكاد يمر يوم في منطقة شمال القوقاز خلال الشهور الأخيرة، من دون وقوع هجمات وأعمال تفجير تستهدف المواقع الفيديرالية والمراكز الأمنية المحلية في المدن القوقازية.وحال الغليان التي تعيشها مناطق عدة في هذه المنطقة، طرحت أسئلة عدة، لا تقتصر على دوافع أو توقيت عودة نشاط المقاتلين المتحصنين في المناطق الجبلية الوعرة والغابات القوقازية الكثيفة، بل تنسحب على امتداد هذا النشاط إلى رقعة جغرافية واسعة بعدما كان محصوراً في الشيشان خلال سنوات الحرب الدامية هناك والفترة التي تلتها، وإن طاولت ألسنة اللهب أحياناً مناطق محدودة في بعض الجمهوريات المجاورة. ويلفت اتساع دائرة الحدث أخيراً لتشمل كل الجمهوريات القوقازية الست (الشيشان وداغستان وأنغوشيا وكاباردينا باكاري وأوسيتيا الشمالية وكاراتشيفا تشيركيسيا) إلى تطور مخاطر تلوح مقدماتها في الأفق، خصوصاً بعد تمكن التيار المتشدد في الحركة الانفصالية من فرض سيطرة شبه كاملة توجت بعزل «المعتدلين» من قادة الانفصاليين وإبعادهم من دائرة التأثير بعد اتهامهم بالكفر والنفاق. وزاد من تأثير التطورات الأخيرة الحملات الدعائية الواسعة التي أسفرت عن جذب مزيد من المتطوعين لحمل السلاح، وأيضاً دخول العنصر الخارجي مجدداً على الخط بقوة بعد تردد معطيات عن عودة قنوات التمويل المالي إلى نشاطها.باختصار، يذكّر المشهد الحالي في شمال القوقاز بالمقولة الشهيرة عن أن هذه المنطقة هي برميل البارود المجهز دائماً للانفجار في التوقيت الملائم.
شيخ... من موسكو

قبل نحو شهر، وتحديداً في الأسبوع الأول من حزيران (يونيو)، وقع في القوقاز تطور فاق في أهميته الأنباء اليومية عن العمليات العسكرية والهجمات المختلفة، إذ أعلن عن التحاق الشيخ سعيد بورياتسكي بمعسكرات المقاتلين وإعلانه الجهاد مع رفاقه «ضد الروس وعملائهم في المنطقة»، والشيخ سعيد كما يطلق عليه مريدوه يعد واحداً من أبرز الدعاة في روسيا وذاع صيته في رابطة البلدان المستقلة كلها، وتتناقل الأيدي في شكل واسع جداً خطبه ورسائله المسجلة على أشرطة أو أقراص مدمجة، لكن الأهم من هذا كله أنه انتقل إلى المناطق القوقازية الجبلية ليس من الشيشان أو داغستان، بل من موسكو، حيث نشط لسنوات تحت سمع الأجهزة الروسية وأبصارها في مجال الدعوة وجمع حوله كثيراً من التلاميذ والمريدين، قبل أن يفجر قنبلته التي كان لها صدى واسع في أوساط مسلمي العاصمة الروسية والأقاليم الروسية الأخرى، ويكفي أن بعض من تحدث إلى «الحياة» وصف هذا التطور بأنه «دفعة قوية للمقاتلين، وسيؤدي الى التحاق كثيرين بالجهاد».ويبدو أن لهذا التوقع ما يبرره، إذ كان أول ما فعله الشيخ سعيد بعد وصوله إلى معسكرات المقاتلين أن بث رسالة مسجلة على شبكة الإنترنت بصوته مع صوت زعيم الانفصاليين المتشددين دوكا أوماروف ضمنها فتوى بتحريم التقاعس عن القتال لأنه «بعد الإعلان عن قيام إمارة القوقاز لم تعد لأحد حجة في عدم الانضمام إلى الجهاد».اللافت أن السلطات الروسية حاولت التعتيم على خبر انتقال بورياتسكي إلى ساحة القتال، وبعد مرور ساعات فقط على نشر الخبر في أحد المواقع الإلكترونية الإسلامية في موسكو، اقتحمت أيادٍ خفية الموقع وعطلته لفترة، ثم عاد إلى العمل من دون أي إشارة إلى أسباب العطل، وطبعاً من دون الخبر عن بورياتسكي.لكن الواضح بحسب معطيات حصلت عليها «الحياة» أن البداية لم تكن مع انتقال الرجل الذائع الصيت إلى الجبهة الأخرى.منذ شهور تعيش الأوساط الإسلامية في موسكو ومدن روسية أخرى حال ترقب ومواجهة خفية بين طرفين، يرفع أحدهما لواء «الإسلام المعتدل»، فيما يدعو الآخر علانية إلى «الجهاد ونصرة الأخوة في القوقاز». وبحسب مصادر متطابقة، فإن المواجهة اتخذت طابعاً حاداً في غرف الحوار التابعة للمواقع الإلكترونية، حيث يفرد الجناح الثاني «الأدلة والبراهين الشرعية» التي توجب القيام بـ «عمل ملموس» بدلاً من الاكتفاء بالمراقبة والتعليق، فيما يرد «المعتدلون» بأدلة أخرى تدعو إلى حقن الدماء وعدم الانجرار وراء المتطرفين. واتخذت حدة النقاش شكلاً تصاعدياً ميّزه ظهور صور على الشبكة العنكبوتية لرجال ونساء في معسكرات التدريب الجبلية مع دعوات الى نصرة «إخوتنا المحاصرين» وعبارات تحمل في طياتها ما يمكن وصفه بأنه «عملية تعبئة منظمة يتم توجيهها في شكل قوي»، كما قال أحدهم. وكان يمكن أن يبقى السجال محصوراً في هذا الإطار لولا ظهور مؤشرات جديدة أخيراً تدل إلى «اختفاء» عدد كبير من الناشطين الإسلاميين. وبحسب ناشطين تحدثوا إلى «الحياة»، فإن كل المؤشرات تؤكد أن هؤلاء انتقلوا إلى معسكرات المقاتلين. وبين المتطوعين الجدد عدد كبير من النساء والفتيات، اللواتي أرسل بعضهن رسائل إلكترونية ألمحن فيها إلى أنه «حان وقت العمل ولا يمكن أن نترك رجالنا بمفردهم في هذه الظروف».اللافت أن التطورات الجارية في الخفاء تزامنت مع ضجة أثارها أخيراً أحد المفكرين الإسلاميين الروس وهو حيدر جمال، عندما تحدث عن تعرض المسلمين في روسيا لضغوط وحرمان من ممارسة حرياتهم، وهو أمر تسارعت الردود المستنكرة له بقوة على لسان كل القيادات الروسية الإسلامية وممثلي مجالس الإفتاء في روسيا. وفي رأي أحد الناشطين، فإن هذه المسألة عكست النقاشات الجارية «تحت الأرض».

تمويل... خارجي

وتقول مصادر لـ«الحياة» إنه «لا شك في أن ثمة عملية واسعة تجرى لرفد المقاتلين بدماء جديدة وأنها حققت نجاحات من داخل موسكو ومدن روسية أخرى». وألمحت إلى نجاح المقاتلين أخيراً في إحياء بعض قنوات التمويل الخارجية، التي شهدت تراجعاً في نشاطها بعد هدوء الأوضاع نسبياً في الشيشان، و «تتوافر معلومات عن قيام منظمات خيرية في بعض البلدان العربية بضخ أموال كبيرة في روسيا» خلال الفترة الأخيرة.المخاوف الكبيرة بحسب رأي البعض تتركز على التحذير من أن تكون عمليات التعبئة وحشد المزيد من المقاتلين تهدف إلى الشروع بأعمال عنف أكبر في القوقاز وربما هجمات داخل مدن روسية، أي أن ينقل المقاتلون حربهم من القوقاز إلى مناطق أخرى، مستفيدين من وجود «أذرع ضاربة تعمل في الخفاء في المدن الكبرى»، لأنه إذا كانت هذه حال المسلمين في موسكو ومدن كبيرة أخرى «فيمكن توقع الحال في منطقة القوقاز ذاتها».ويعني هذا أن المنظمات الإسلامية الرسمية التي شهد نشاطها خلال السنوات الأخيرة تطوراً واتساعاً مهمين، تخشى من الوقوع بين سندان الرقابة الأمنية ومطرقة النشاط المتطرف الذي يهدد وجودها.

تحولات الشيشان

معلوم أن القضاء على القسم الأعظم من المقاتلين في الشيشان وفرض السيطرة شبه الكاملة من جانب القوات التابعة للرئيس رمضان قاديروف المدعوم بقوة من موسكو، أسفرا عن تحسن الوضع الميداني في الشيشان كثيراً، خصوصاً أن ذلك ترافق مع إطلاق عملية كبرى لإعادة الإعمار ومحو آثار الحرب، لكن الفترة الأخيرة شهدت تصاعداً متواصلاً في عدد الهجمات ونوعيتها التي يشنها من تبقى من المقاتلين في المناطق الجبلية على المواقع الفيديرالية وقوات الشرطة المحلية، وتزامن ذلك مع تصعيد مماثل في كل الجمهوريات المجاورة. وبحسب مصادر «الحياة»، فإن تحسن الوضع الأمني في الشيشان دفع كثيرين إلى الانتقال إلى الجمهوريات المجاورة، ومنحهم فرصة التقاط الأنفاس والتفكير بعودة بناء قوتهم. وفي حين أن التقديرات الروسية تشير إلى وجود «بضع مئات من المقاتلين والمتطوعين الأجانب في الجبال والغابات»، لكن هذه المصادر تؤكد أن الفترة الأخيرة شهدت تغيرات كثيرة على هذا الصعيد.واستفاد زعماء المقاتلين الذين انتقلت إليهم مقاليد القيادة بعد نجاح موسكو في قتل القادة المعروفين في الشيشان ومنطقة القوقاز كلها، من الظروف المعيشية الصعبة وحال الاحتقان ضد السلطات المحلية التي تسيطر على جمهوريات مجاورة مثل أنغوشيا وداغستان من أجل تصعيد النشاط هناك وتحويل هذه البلدان إلى مركز تحرك أساسي بدلاً من الشيشان.لكن التطور الأساسي في نشاط الانفصاليين وقع نهاية العام الماضي عندما أعلن عن قيام ما يعرف باسم «إمارة القوقاز»، وجاء الإعلان عبر «مرسوم» أصدره زعيم الانفصاليين الشيشان دوكا أوماروف وعيّن نفسه بموجبه «أميراً على القوقاز» .ويلاحظ خبراء أن قيام «الإمارة» كان الدافع المباشر وراء تصاعد نشاط الانفصاليين أخيراً، خصوصاً أنه وحّد جماعات متشددة صغيرة كانت تنفذ عملياتها في شكل منفرد، واللافت أنه فور صدور المرسوم سارع كثير من قادة هذه الجماعات إلى إعلان «البيعة للأمير»، فيما تعامل أوماروف المعروف أصلاً بدمويته وتشدده بقسوة بالغة مع الأطراف التي رفضت مبايعته.

تفرد المتشددين بالقيادة

منذ مقتل الزعيم الشيشاني الانفصالي أصلان مسخادوف في العام 2005، أشار كثيرون إلى مخاوف من نتائج «ضرب التيار المعتدل عند الانفصاليين» لجهة أن الزعماء المتشددين من أمثال باساييف وأوماروف غدوا قادرين على فرض سيطرة مطلقة لم يكن يسمح لهم بها القادة المعتدلون، ويكفي للتدليل على أن مسخادوف أبدى غير مرة استعداده لخوض مفاوضات مباشرة مع موسكو والتوصل إلى اتفاق شامل يبقي الشيشان جزءاً من روسيا مع منحها صلاحيات واسعة. وكانت الملفات الأساسية التي يثيرها ممثلو الحركة الانفصالية خارج روسيا مثل أحمد زاكايف اللاجئ حالياً في بريطانيا تركز على مسائل حقوق الإنسان والانتهاكات وحق الشيشانيين في تقرير مصيرهم بأنفسهم، في حين أن الشعارات التي رفعها الزعماء المتشددون بعد مقتل مسخادوف باتت تميل إلى فرض أحكام الشريعة وقيام خلافة إسلامية في القوقاز، وهو أمر أثار انقسامات كثيرة ودفع المتشددين الذين فرضوا سيطرتهم إلى التخلص من بقايا الجناح المعتدل نهائياً.وحصلت «الحياة» على رسالة وجّهها «رئيس أتشكيريا» (الاسم الذي كان يطلقه الانفصاليون على الشيشان) عبدالحليم سايدولايف إلى ممثليه في الخارج بعد فترة وجيزة من مقتل مسخادوف وتحديداً في آب (أغسطس) من العام 2005، وفيها إشارة إلى «توجهنا لإعلان إمارة إسلامية في القوقاز» وتحذير مباشر في أن كل ممثلي الشيشان في أوروبا «يجب أن ينفذوا تعاليم الشريعة ويمتنعوا فوراً عن القيام بمحرّمات مثل التدخين ناهيك عن شرب الكحول».وتكفي الرسالة للتدليل على أن الانشقاق داخل صفوف الحركة الانفصالية في القوقاز وميلان الكفة لمصلحة المتشددين بدآ منذ ذلك الوقت وكان المقصود المباشر بهذه التعليمات بحسب الرسالة زاكايف ذاته، الذي عزله أوماروف فور توليه «الإمارة» وأصدر قرارات بتعيين مبعوثين آخرين حملهم توصيات بـ «ألا يخضعوا للكفار وأن القوقاز هو إمارة إسلامية لا يهمها الشعارات العلمانية التي يرفعها الغرب».ومع انتقال السلطة إلى الجناح الأكثر تطرفاً، جمع أوماروف حوله عدداً من الشخصيات العسكرية والدينية التي تصدر بين الحين الآخر فتاوى توافق هوى «الأمير»، وبينها فتوى أصدرها أخيراً «مفتي الإمارة» بوخاري بارايف حول تحريم التقاعس عن الانضمام إلى المقاتلين، ومعلوم أن بارايف هذا هو والد الزعيم الميداني المتشدد موفسار بارايف الذي قاد عملية احتجاز الرهائن في مسرح روسي في العام 2002، ولقي مصرعه هناك مع خمسين مقاتلاً نصفهم من النساء، وقتل في العملية ذاتها نحو 180 شخصاً من المحتجزين في المسرح.

داغستان وأنغوشيا مركزا الثقل الأساسي

الواضح من التطورات الميدانية خلال الشهور الأخيرة أن داغستان وأنغوشيا تشكلان المركز الأساسي لتحرك الجماعات المتشددة، إذ لا يمر يوم من دون الإعلان عن تفجير هنا أو هناك، أو هجمات قوية تستهدف المواقع الحكومية وقوات الشرطة المحلية. وفي حين رشح مراقبون أنغوشيا لتكون «ساحة المواجهة الساخنة المقبلة بعد الشيشان»، فإن الوضع في داغستان بعيد أيضاً من الاستقرار.وبخلاف الشيشان التي فجر فيها قوميون يسعون إلى الاستقلال حربهم في وقت مبكر ثم تحول الوضع تدريجاً لمصلحة المتشددين الإسلاميين، فإن أسباب عدم الاستقرار في أنغوشيا تعززها حال الاحتقان الداخلي التي تعود الى أسباب معيشية واقتصادية. ومع أن الوضع العام في القوقاز رمى بثقله على الأنغوش الذين تربطهم علاقات تاريخية وإنسانية مع الشيشانيين، لكن العنصر الأساسي وراء تصاعد حال النقمة خلال الفترة الأخيرة هو أداء السلطة المحلية وتحديداً الرئيس مورات زيازكوف الذي تسلّم السلطة بعد إقالة الرئيس الأنغوشي السابق رسلان أوشيف في العام 2002، وكان الأخير من أنصار الحوار مع المقاتلين في الشيشان. وثمة روايات تقول إنه عزل بسبب رفضه السماح بشن عمليات حربية واسعة في الجمهورية لتعقب المقاتلين الشيشان الذين كانوا يفرون من مناطقهم إلى الجمهورية المجاورة بحثاً عن العلاج أو الراحة أحياناً.الأكيد أن تصاعد حال الاحتقان ضد الرئيس الحالي لا يعود إلى تلك الفترة، بل يرتبط بالأوضاع المعيشية والاقتصادية حالياً، وأيضاً بسبب تكرار حالات انتهاكات حقوق الإنسان التي أشارت إليها أكثر من مرة تقارير منظمات إنسانية، وبينها حالات اختطاف مدنيين وحملات اعتقالات يقول المركز الفيديرالي انها تستهدف «أشخاصاً مرتبطين بالانفصاليين»، لكن الأهالي يصرون على «عشوائيتها» .وبسبب ذلك ظهر في أنغوشيا خلال السنوات الأخيرة عدد من الجماعات المتشددة التي فتحت قنوات اتصال مع الشيشانيين ووفرت لهم قاعدة خلفية لتنظيم أمورهم وشن عملياتهم. ومع مقتل مسخادوف وإمساك باساييف بالسلطة قبل مقتله في العام التالي بدأت عمليات تنظيم «جبهة القوقاز تتخذ أبعاداً أوسع» توجت قبل شهور بإعلان عدد من الجماعات المتشددة «البيعة» لأمير القوقاز الجديد.أما في داغستان فتعد جماعة «شريعة» أوسع الجماعات المسلحة نفوذاً وقوة في المنطقة، وهي المسؤولة على مدى سنوات عن استهداف المواقع الفيديرالية والمتعاونين مع موسكو. وتنادي الجماعة بفرض نظام إسلامي في داغستان التي تعد أكثر جمهوريات القوقاز تعدداً إثنياً، إذ تعايشت فيها على مدار قرون أكثر من 100 قومية صغيرة.وشهد نشاط «شريعة» خلال العامين الأخيرين تطوراً مهماً مع بدء القيام بأعمال منظمة غدت أكثر فعالية وتأثيراً، وكان أميرها رباني خليلوف يعد من أكثر الزعماء المتشددين نفوذاً في القوقاز قبل مقتله العام الماضي في عملية عسكرية نفذتها القوات الروسية، وانخرطت «شريعة» في وقت مبكر ضمن «جبهة القوقاز الموحدة» التي أطلقها باساييف، لكنها تميزت بتنظيم قوي يمتلك عناصر ومصادر تزوده بالمعلومات كما يقول بعض المتخصصين في كل المؤسسات الحكومية، بما في ذلك الأمنية منها. ومعلوم أن هذه الجماعة وضعت لائحة أطلقت عليها تسمية «لائحة الموت» وهي تضم أسماء عشرات الشخصيات من العسكريين والأمنيين والصحافيين والناشطين في المجالات المختلفة الذين ترى الجماعة المتشددة أنهم «أعداء يجب قتلهم». وتمكن مقاتلو الجماعة من تنفيذ «حكم الإعدام» بكثيرين، من بينهم الجنرال في وزارة الداخلية محمد أريب علييف الذي قتل قبل أسبوعين.