مؤتمر الّلغة الشركسيّة: لماذا الآن؟
يمثل الاستعمار واحدة من أخطر الانتهاكات للسيادة الوطنية للدول والأمم، وخرقا للقانون الدولي، الذي يبيّن تقريبا بانّ كافّة الجرائم الخطيرة المرتكبة ضد الإنسانية في المناطق المستعمرة قد ارتكبت من قبل القوى الاستعماريّة. ولذلك فانّ الاحتلال الأجنبي ينبت بيئة بحيث يتعرض الشعب المستعمر إلى مجموعة واسعة من الانتهاكات الجسيمة والمنهجية لحقوق الإنسان والحريات، بما فيها الطّرد والتشريد والحرمان من حقّهم في تقرير المصير، والشعب في الأراضي المحتلّة يتعرض لضرورة التّكيّف وفق السّياسات الامبرياليّة وغيرها من أشكال العنف.
ومن الواضح فان اللغة هي قضية هامّة جدا لكل دولة في العالم، وهي تعد عاملا أساسيّا إلى جانب عوامل أخرى مثل الاهتمامات المشتركة والوطن والعادات المشتركة والسّلامة الإقليميّة.
والمثال المميّز الغريب الّذي ينبغي التعامل معه هو الأمّة الشركسية، الّتي هي تتعامل مع النّتائج المؤلمة والصّعبة من خلال مراحل عدة من عواقب وخيمة والتي ابتدأت ولم تنتهي مع كونها ضحية لسلسلة طويلة من الحروب الدامية والاجراميّة والاحتلال الأجنبي والتطهير العرقي والإبادة الجماعية والنفي القسري لما يقارب 90 ٪ ممّا تبقّى من الأمّة الشّركسيّة بعد كل عمليات القتل ووحشيّة الحرب، في حين كان على 10 ٪ فقط مواجهة واقع الاحتلال وكل ما يتعلق به من آثار وحشيّة وشائنة.
أكثر من 144 عاما مرت منذ 21 أيار / مايو من عام 1864، وهو اليوم الذي اعلن رسميا لوقف الحرب الرّوسيّة-القوقازيّة والتي استمرّت 101 عاما، وأسفرت عن احتلال روسيا لكامل التّراب الشّركسي وشمال القوقاز، الّذي أدّى الى تقسيم وإعادة توزيع الأرض الشّركسيّة وفقا لاستراتيجيّة امبرياليّة واستعماريّة من الجشع والّتي تمّ تنفيذها ولا تزال تنفّذ لتغيير الوضع الأصلي وايجاد بيئة و ظروف وأوضاع جديدة والتي من شأنها أن تتعامل مع الحقائق الجديدة على الأرض.
انّ الممارسات أحاديّة الجانب و المهيمنة من قبل الحكومة الروسيّة من خلال نظام التّدريس، ومن مؤسّسات الدّولة تسببت في الاستيعاب والاندماج القسريّين وحرمت الشّعب الشّركسي في الوطن الأم من حقوقه الإنسانيّة.
انّ الاهتمام الكبير ينبغي أن يوجّه إلى تنفيذ السّلطات لسياساتها بنقل الملايين من المستوطنين غير الشّراكسة إلى الأراضي الشّركسيّة واستمرار معضلة النّفى القسري بالنسبة للملايين من الشّراكسة الذين يعيشون بعيدا عن الوطن الأم في عشرات من البلدان في جميع أنحاء عالم اليوم، الأمر الذي يسهم في تكثيف التمييز ضد الشّعب الشّركسي. ومع ذلك فانّ الشّراكسة الذين ما زالوا يعيشون في الوطن الأم لا يزالوا يعانون بعد سنوات، تحت وطئة احتلال وطنهم ولا يزالوا يعانون من جميع أشكال التمييز العنصري تحت الاحتلال الروسي، ويجب شجب أعمال السّلطات الرّوسيّة التي تستمر في تجاهل احترام الشّراكسة، الذين منعوا ظلما من ممارسة حقوقهم الوطنيّة المشروعة في تقرير المصير. انّ ادانة سياسات وممارسات الإبادة الجماعيّة والتّطهير العرقي ضد الشركس ينبغي أن يعترف به، مثل مصادرة أراضيهم والإبعاد وتشريد السّكان وتدمير ثقافتهم وحرمانهم من حقوقهم المدنيّة فضلا عن حقوقهم الثقافية والسّياسيّة.
والشراكسة الذين أجبروا على مغادرة الوطن الأم، كان عليهم أن يواجهوا كل مصاعب ومتاعب الحياة والبقاء في الأراضي المضيفة التي كان عليهم الهجرة اليها، الى جانب تحمّل مصائب وبلاءالبحر الأسود بما فيها الدّعوة المفتوحة إلى الأسماك وكذلك الأمراض والأحوال الجوية القاسية أثناء السفر بسفن قديمة وتالفة نتيجة للقدم وكذلك نتيجة للحمولة المفرطة لتلك السفن، الى ان انتهى بهم المطاف إلى التّعامل مع لغات وشعوب وأسياد وقضايا مختلفة وأحيانا كان للدفاع عن وجودهم كبشر.
الأمّة الشّركسيّة المنكوبة وعندما اجتمعت الظّروف فمهّدت وأعدّت ونفّذت للتّخلّص منها وإبادة وجودها، فانّ النّاجين المهلكين، ولكنّهم الأفراد والجماعات المؤمنين الّذين كان لهم طموح واحد في عين الاعتبار ألا وهو العودة إلى الوطن الأم، عندما تسمح الظروف والتي لم تتهيّئ حتى الآن في الطّريقة التي ينبغي مراعاة التّطوّرات الدّولية لتمكين كافّة الشعوب والأمم من استعادة واسترداد حقوقها وامتيازاتها المشروعة.
وبدون أي تنسيق مع الشّركس الآخرين في الشتات والوطن الام على السّواء، بحيث حدث تأخير وتأجيل لبضعة أشهر، فقد صدرت دعوة مشبوهة لعقد مؤتمر عن اللّغة الشّركسيّة (الأديغيّة)، وكانت ملفوفة في وسيلة لاظهارها كبادرة صدرت من السّفارة الرّوسيّة في عمان، الأردن وبالتعاون مع "الجمعيّة الخيريّة الشّركسيّة"، وتحت الرّعاية الملكيّة لملك الأردن، من أجل جذب الاهتمام وفي الوقت نفسه لتجنّب النّقّاد من التّيّار الوطني الشّركسي الّذي يدعو إلى علاقة متوازنة مع سلطات الاحتلال الرّوسيّة، والتي يمكن التعامل معها وفقا للنّدّيّة والشّفافيّة، وبطريقة تبيّن حاجة الشّركس لمعالجة القضايا التي تهم كامل القضيّة الشّركسيّة، بدءا من نتائج الحرب في العام 1864 والتي تتضمن ولكن بنفس الوقت تتوقّف مع عودة الأمّة المنفيّة الى الوطن الام.
وهناك تركيز من جانب الحكومة الرّوسية على الشّتات الشركسي في الأردن للقيام بلعب لعبة من العلاقات العامة من خلال حذف ونسيان قضايا هامّة مثل الهويّة الشّركسيّة وحقوق الإنسان، في حين يقوموا بالتّركيز على مسألة أقل أهميّة مثل الّلغة في هذه الحالة، في حين ان سلطات الاحتلال الرّوسيّة في شمال القوقاز، وتحديدا في شركيسيا لا تسمح باستخدام الّلغة الشّركسيّة في المدارس والجامعات! فما هو اذن هذا النوع غير السّليم وغير المناسب للعلاقات العامّة باظهار عكس ما طبّقته السّياسات الرّوسيّة الحقيقيّة في الماضي ومازالت تنفّذه في الوقت الرّاهن؟
ممّا ظهر جليّا أعلاه، فانّ استنتاجا منطقيّا من شأنه أن يحدّد الأولويّة المعقولة لحل "القضيّة الشّركسيّة"، من خلال حماية الهويّة الشّركسيّة والسّلامة الوطنيّة لجميع الشّراكسة سواء كانوا في الوطن الأم أو في ديار الاغتراب، ولإعطاء الأولويّة لجميع الاهتمامات التي من شأنها حماية الأمّة الشّركسيّة. كان من الممكن أن يراعى ذلك لو أنّ القيادة الرّوسيّة قد استمعت إلى صوت العقل والّذي ورد ذكره في الرّسالة الرّسميّة والمؤرّخة بتاريخ 22 شباط 2007 والموقّعة من قبل السّيد اسحق مولى رئيس الجمعية الخيريّة الشّركسيّة، وقدّمت خلال زيارة رسميّة قام بها الرئيس بوتين للأردن في ذلك الوقت، وهو حاليّا رئيس الوزراء الروسى خلال المرحلة الحالية، والرّسالة اختارت كلمات مهذّبة ومعقولة لمعالجة القضايا الشّركسيّة وبطريقة مختصرة. وذكرت الرّسالة أن "المتحدّرين من الشّراكسة الّذين تعرّضوا لمأساة تاريخيّة والّتي أدّت إلى إجبارهم على الهجرة من وطنهم الأم في (شمال القوقاز) قبل قرن ونصف تقريبا". وأضافت الرسالة أن "سمتا الاشتياق والحنين للوطن وللجذور مرافقتان للشّعوب في كل مكان وزمان وهذا هو الحال مع الشّراكسة اليوم، ولتذكّر " Osh'ha Mafa "(جبل ألبروز) وهو الّذي تحكي جميع الأساطير أنّ الآلهة تسكن فيه، وليس من المستغرب إذن، أن يحتفظ الشّركسي بجبال القوقاز بقلبه أينما يذهب وأينما يقيم". وقدّمت الرّسالة أيضا طلبا من أجل "حق العودة والمواطنة في منطقة القوقاز، أرض الأجداد، والّتي هي مصانة بموجب القانون رقم 637 والمؤرّخ بتاريخ 22 تمّوز 2006 والّذي تم توقيعه من قبل الرئيس الروسي نفسه، ليكونوا بالامكان قادرين على العودة الى القوقاز بصفتهم مواطنين كاملي الأهلية يتمتّعون بكامل حقوق المواطنة، ويلتزمون بكل الواجبات الّتي تفرضها عليهم المواطنة".
أين هو الرد على الرّسالة الرّسميّة، على الرغم من أنّ بعض رؤساء الجمهوريّات المقامة من قبل روسيا في القوقاز قد شهدوا على نقل وإيصال الرّسالة إلى القيادة الروّسيّة؟ أين هو تنفيذ ما جاء في "مذكّرة التّفاهم" والّتي تمّ توقيعها في 11 شباط 2007، وتمّ تصديقها من قبل رئيس جمهورية الأديغييه ورئيس جمهورية قاباردينو - بالقاريا ورئيس الجمعيّة الخيريّة الشّركسيّة في الأردن، وشملت 7 نقاط رئيسيّة، ولم يوضع أي منها موضع التّنفيذ؟
انهّ مطلوب من جميع الدّول والحكومات لحث الحكومة الرّوسيّة للبدء في عمليّة تعويض الشّعب الشّركسي لقاء التّدمير الّذي حلّ بوطنهم في القرون الأخيرة. والمنظومة النّمطيّة العنصريّة استمرّت في رفض السّماح للشّراكسة في المنفى من ممارسة حقّهم المكفول بموجب القانون الدّولي من العودة إلى ديارهم الأصليّة. وفيما يتعلّق بحق العودة، فانّ الشّراكسة في المنفى أيضا لهم حق واضح بموجب القانون الدّولي لتلقّي تعويضات كاملة عن ممتلكاتهم. وعلاوة على ذلك، فإن القانون الدّولي ينص على أن الشّراكسة الّذين يختارون عدم العودة فيحق لهم الحصول على التّعويض الكامل عن كل الخسائر. ورفض روسيا منح الشّراكسة المنفيّين حقهم في العودة وكذلك غيرها من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وانتهاكات القانون الإنساني من شأنه أن يزعزع استقرار كامل منطقة شمال القوقاز ويؤثّر على السلم والأمن في العالم.
انّ ألعاب نشر وتعميم مثل هذه اللفتات بمحتويات فارغة، هي معرّاة ومكشوفة لكل من يهمّه الأمر في معرفة ما هي الحقيقة. لا يمكن لأيّ امرىء أن يشعر بالرّاحة والأمان في حين يوجد ثعبان سام يتعلّق بأنحاء جسمه، حتى لو كان جلد الثّعبان دافئا وناعما! انّ ذلك ليعتبر قليلا جدّا ومتأخّرا أكثر مما ينبغي... يترتّب على الشّراكسة أن يعرفوا كيفيّة الوصول إلى أهدافهم عن طريق تحديد وتمييز أولويّاتهم بدءا من معالجة مسألة الإبادة الجماعيّة، ولأغراض اختيار أفضل الأساليب التي تحفظ وتصون هويّتهم الوطنيّة وذلك لخلاصهم. وهناك قضايا تحتاج إلى الاضطلاع بها والتي تحتاج إلى توضيح، وذلك بتمهيد الطريق للحصول على واختيار الأسلوب المناسب والصحيح لاستعادة الحقوق المسروقة والمصادرة، وذلك اعتمادا على القانون الدّولي و الإعلان العالمي لحقوق الإنسان و ميثاق الأمم المتحدة بالاضافة الى قرارات لجنة المسائل السّياسيّة الخاصّة وانهاء الاستعمار المنبثقة عن الجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة وذلك للحاجة لادراك الحقوق المشروعة في حق تقرير المصير وحرّية الاختيار.
ايجل
24 – سبتمبر/أيلول - 2008
0 التعليقات:
إرسال تعليق