رهان تبليسي على الغرب لرد الطموحات الروسية
لندن الحياة - 10/08/08//
«الأمر لم يعد متعلقاً بجورجيا. انه يتعلق بأميركا وقيمها». هكذا أراد الرئيس الجورجي ميخائيل ساكاشفيلي «تأطير» المواجهة مع روسيا، التي تطورت بوتيرة دراماتيكية خلال ساعات، الى حرب مفتوحة، مشبّهاً دخول القوات الروسية الأراضي الجورجية بالغزوين السوفياتيين، في العام 1968 لتشيكوسلوفاكيا، وفي العام 1978 لافغانستان.
وأوسيتيا الجنوبية، بمساحتها التي لا تزيد على 2500 كيلومتر وسكانها الـ70 الفاً، أشبه بـ «رمانة» في صراع بين «قلوب مليانة». وهي بالنسبة الى جورجيا جزء من اراضيها، وداخل حدودها المعترف بها دولياً. وبالتالي، فإن «اعادة فرض النظام والدستور فيها» وفي اقليم ابخازيا المماثل في حالته، واجب وطني لا جدل حوله. وهو واجب رفعه ساكاشفيلي شعاراً أساسياً في انتخابات 2004 التي فاز فيه، وسط ما عرف في العالم بـ «ثورة الورد».
لكن بالنسبة الى ساكاشفيلي، المحامي خريج جامعة هارفرد الأميركية، يتعدى الأمر الواجب الوطني في بعده الداخلي. هو الذي انخرط بكل حماسة في «حسابات» السياسة الأميركية، في ما يتعلق بالحرب على الإرهاب والحرب في العراق، معولاً على «مظلة» غربية تحميه من «دب روسي» يتثاءب صاحياً من سبات طويل وهو مهتم اولاً باثبات سطوته على «الخارج القريب» الذي كان يوماً حدود المملكة السوفياتية. جورجيا تميزت دائماً، وأوكرانيا ايضاً لكن بطريقة أنعم، في تحدي هذه السطوة، هما الساعيتان الى عضوية «حلف شمال الأطلسي» (الناتو) بتأييد أميركي حار.
وجورجيا أثقلت على روسيا كثيراً عندما فتحت أراضيها لثاني أطول خط أنابيب في العالم، بطول 1770 كيلومتر وبكلفة 3 بلايين وبقدرة ضخ تبلغ مليون برميل يومياً باتجاه أوروبا والولايات المتحدة. ويشكل تقاطع مصالح بين شركات نفط بريطانية واميركية وفرنسية.
وتمكن أهمية خط الأنابيب هذا، المعروف باسم «ب ت ج» (باكو - تبليسي - جيهان)، في كونه الطريق العملي الوحيد لنفط قزوين الى اوروبا والولايات المتحدة، الذي لا يحاذي كل من روسيا وايران. وهو يقطع جورجيا بطول 249 كيلومتراً، بينها 55 كيلومتراً عبر اوسيتيا الجنوبية، فيما يمر بمحاذاة ابخازيا.
في العادة، تكون الخسارة او الهزيمة نتيجة حسابات خاطئة أو حسابات صحيحة، لكن في توقيت خاطئ. وأياً كان سبب الورطة التي تجد جورجيا نفسها فيها حالياً، فالأكيد ان الحسابات الميدانية البسيطة تؤكد خسارتها الحتمية. والمقارنة هنا لا تجوز اطلاقاً بين بلد (جورجيا) لا يزيد عدد سكانه على 5 ملايين، ولا يتجاوز انفاقه العسكري على 583 مليون دولار (عام 2007)، مع جيش تعداده أقل من 18 ألفاً، لا يملك من الدبابات سوى 128 ومن المدافع سوى 109، ومن الطائرات سوى 7 مع 35 مروحية. في المقابل، هناك روسيا البالغ انفاقها العسكري 33 بليون دولار، ولها جيش تعداده 360 الفاً، مع 32 الف دبابة و27 الف مدفع واكثر من 4365 بطارية صواريخ و1206 مقاتلات و60 مروحية هجومية.
لا فرصة أمام جورجيا الا اذا ثبتت صحة رهانها على «مظلة» غربية، اميركية تحديداً، ترد عنها أذى روسيا.
وبالنسبة الى موسكو، جاء الاستفزاز الجورجي في «التوقيت المناسب»، لترد ليس بما يكفل وضع حد للمغامرة الجورجية، بل لإعطاء «عبرة» بان لا تهاون بعد الآن في حزام «الخارج القريب» لها، هي التي تعرضت لصفعة موجعة باستقلال كوسوفو اخيراً باعتراف دولي على رغم ممانعتها الشديدة لذلك.
0 التعليقات:
إرسال تعليق