سعيد المفتي.. رجل دولة من الجيل المؤسس
Sent: 4/23/2008
هزاع البراري - ينتمي سعيد المفتي إلى إحدى عشائر الشركس، الذين هاجروا من منطقة القوقاز إبان روسيا القيصرية ، حيث تعرض الشركس المسلمون للتضييق والاعتداءات ، وبمساعدة الدولة العثمانية التي مثلت قلب العالم الإسلامي في تلك الفترة ، قام الشركس برحلاتهم الطويلة إلى بلاد المشرق العربي صوناً لدينهم، وبحثاً عن الأمان والسلام ، وقد عرفت هذه العشائر التي توزعت في المنطقة العربية منذ أواسط القرن التاسع عشر، بالفروسية وشدة الميراس ، ويعتبر الرجل الشركسي مقاتلا من الطراز الرفيع ، يمتاز بالشجاعة والخفة، وبالولاء للأرض التي يفلحها، وللأمة التي أعلن انتماءه إليها .يعد سعيد المفتي من أبرز رجالات الأردن، الذين طبعوا بصمات انتمائهم، في سجلات تأسيس الدولة الاردنية ، وهو من زعماء عشائر الشركس الأوفياء ، فهو مفطور على البذل في سبيل قضايا الأمة العربية القومية والوطنية ، فقد ولد سعيد المفتي في عمان عام 1898م ،وتلقى تعليمه في الكتاتيب، حاله كحال أبناء المنطقة في تلك المرحلة الفقيرة، في ظل إهمال الدولة للأطراف ، لكن رغبته في تلقي العلم دفعته إلى السفر إلى دمشق، ليلتحق بالمدرسة السلطانية حتى يكمل دراسته ، غير أن الظروف لم تمنحه مهلة كافية ، فلقد توفي والده في عام 1917م ، ونتيجة لذلك اضطر لقطع دراسته والعودة للأردن، من أجل المساهمة في رعاية أسرته ، وهذه السنوات الصعبة لم تقلل من عزيمته ، فلقد نمى حسه السياسي وتفتح وعيه على ما يحاك للأمة في مرحلة مبكرة ، لذا تقدم للعمل النضالي والسياسي، وقد خاض عدة معارك ضد الاستعمار الفرنسي لسوريا، قبيل معركة ميسلون وبعدها ، وقد إشترك بثورة الجولان الأولى عام 1919م وثورة حوران عام 1920م.قام سعيد المفتي بقيادة قوة تتألف من قرابة الألف مقاتل، عمل على تشكيلها بمعية ميرزا باشا من رجال وشباب البلقاء، وكان هذا الحدث قد وضع أقدام سعيد المفتي في بؤرة الصراع الذي إستهدف المنطقة العربية ، وهذا أكد جدارته بالإنتماء لهذه الارض المباركة، ولهذه الأمة التي كانت خير أمة أخرجت للناس . وبعد خسارة العرب لمعركة ميسلون، ودخول الفرنسيين دمشق عاصمة المملكة العربية ، شهدت منطقة شرق الاردن فراغاً سياسياً وإدارياً ، وبدأ الأهلين بتشكيل ما عرف بإسم الحكومات المحلية ، فقامت حكومة السلط وضمت بالإضافة إلى السلط عمان ومأدبا ، وبعد تشكيل الحكومة المحلية، تم تشكيل ما سمي بمجلس الشورى عن طريق الإنتخاب ، حيث فاز عن السلط سعيد الصليبي ونمر الحمود وإسماعيل السالم ومحمد الحسين وأيوب الخوري ، و بخيت الابراهيم، وفاز عن عمان كل من : سعيد المفتي وسيدو علي الكردي وشمس الدين سامي ، وفاز عن مادبا ابراهيم الشويحات ،وماجد العدوان عن العشائر الأخرى .ونظراً لعدم مقدرة هذه الحكومة على سد الفراغ ، قام عدد من رجالات المنطقة وعلى رأسهم سعيد المفتي وسعيد خير وغالب الشعلان وغيرهم، بمخاطبة الشريف الحسين بن علي، لإيفاد أحد أبنائه لقيادة الاهالي في المنطقة، لمحاربة الاستعمار الفرنسي وإقامة الحكومة العربية الموحدة ، وكان من نتيجة هذه النداءات المتكررة من شرق الاردن، وجنوب سوريا، أن أرسل الشريف حسين الأمير عبد الله إلى معان، للتجهيز للمرحلة المقبلة ، وما أن وصل الأمير إلى معان، حتى توافد عليه رجالات وأحرار الأردن طالبين منه الإنتقال إلى عمان والبدء بتأسيس الحكومة الموحدة للحكومات المحلية، وعندها قام الأمير عبدالله بالذهاب إلى عمان ، حيث أقام أولاً في منزل سعيد خير المعروف بوطنيته ، ثم انتقل للإقامة في بيت سعيد المفتي لفترة من الزمن ، وكان سعيد المفتي من أشد المؤازرين للأمير والداعمين له، من أجل إقامة الحكومة العربية، وعلى رأسها الأمير عبد الله، لتكون نواة للدولة العربية في المشرق ، وقاده في ذلك حسه الوطني، وغيرته على الأمة ،ورغبته في النضال في سبيل تحقيق الإستقلال الكامل لأبناء المنطقة.بقي سعيد المفتي مولعاً بالسياسة، التي مثلت كل شيء في تلك السنوات القاسية والزاخرة بالتحولات ، فكان أحد مؤسسي حزب الشعب الأردني عام 1927م ، وكرس حياته لبناء وطنه وخدمة قيادته ، وقد شغل عددا مهماً من المناصب، التي أكدت قدرته على العمل العام، والعمل على رفعة الوطن ، حيث أصبح رئيساً للوزراء أربع مرات ، وكان قد عمل وزيراً عدة مرات، ونائباً لرئيس الوزراء وعضواً في مجلس النواب ،ورئيساً لمجلس الاعيان أكثر من مرة ، فلقد كلف بتشكيل حكومته الأولى عام 1950 م ، وكان من أهم انجازات هذه الحومة هي الوحدة بين الضفتين تحت إسم المملكة الأردنية الهاشمية ، وفي نفس العام عهد إليه بتشكيل حكومته الثانية التي ضمت لأول مرة وزراء من الضفتين، أما في عهد الراحل الملك الحسين بن طلال فقد شكل الحكومة مرتين ، الأولى عام 1955 م والثانية عام 1956م ، ونلاحظ أن جميع فترات ترأّس سعيد المفتي للحكومة كانت فترات أحداث كبيرة وتتطلب رجالا كبارا من وزن هذا الرجل الوطني الكبير. أما عن رئاسته لمجلس الأعيان، فكانت لست فترات متفاوتة في تواريخها، وذلك أعـوام 1955 م و 1959م ، 1967 ، 1971 لدورتين متتاليتين ، وآخرها في رئاسة الأعيان كانت عام 1973م . وتعد هذه المحطات خير دلالة على ما تمتع به سعيد المفتي من عزيمة ، ومواقفه الثابتة جعلت منه شخصية قيادية سواء بين عشائر الشركس في الأردن، أوعلى صعيد البعد الوطني الأشمل ، فقد قاد حكومات أردنية في أوقات حرجة ، وكان من الجيل المؤسس للدولة الأردنية، وقد أسهم ايضاً في تأسيس المجلس العشائري الشركسي، الذي صب في خدمة الوطن وتكاتف صفوفه.في العام 1974 م ترك العمل الرسمي، وتفرغ لشؤونه الشخصية ولخدمة أبناء منطقته ، وقد تحمّل في حياته مصاعب وأهوال منذ توفي والده ، وقد قوي ساعده بفضل اشتراكه في المعارك النضالية والثورات ، منذ بواكير شبابه، لكن آلمه استشهاد ابنه فكان عزاؤه أن قدمه فداءً للوطن وكرامته. لقد أمضى سعيد المفتي حياته بالعمل والإنجاز حتى آخر أيامه ، و توفي رحمه الله عام 1989م ، ليبقى رغم مضي السنوات رمزاً وطنياً كبيراً.hbarari45@hitmail.com
http://www.alrai.com/pages.php?news_id=207401
0 التعليقات:
إرسال تعليق