روسيا ترقص على أنغام القومية الجديدة، بمباركة واضحة من الكرملين. لكن السؤال هو: لماذا؟
دولـــــة الـكــــراهــيــــة
كتب:أوين ماثيوز وآنا نيمتسوفا
تتحول روسيا بازدياد إلى مكان مخيف. اسأل مارات غيلمان، الذي ارتكب معرضه خطأ استضافة معرض لفنان جورجي في وقت يتعرض فيه الجورجيون للمقت الرسمي. ففي الأسبوع الماضي، تم تخريب معرضه من قبل 10 رجال مقنعين، يقول غيلمان الذي ضرب ضربا مبرحا إنهم: "لم يكونوا من الرعاع، أو من الصعاليك القادمين من الشارع، بل مقاتلين متفوقين في حرفيتهم وخبراء ممن جاؤوا ليقوموا بعملهم". أو اسأل المؤرخ والقيّم أليكساندر بانوف الذي هوجم (لكن لم يسرق) من سفاكين بعد أيام من إدانته للهجوم على غيلمان علنا. أو اسأل الجورجيين العاديين الذين أصبحوا بشكل متزايد ضحايا لابتزاز الشرطة، وهجمات حليقي الرؤوس، ومن بينهم مدير محطة غسيل السيارات إيراكلي بوكيا البالغ من العمر 24 عاما الذي أدرك ضرورة عدم الاتصال بالشرطة الأسبوع الماضي بعد أن ضرب في مترو موسكو: "كنا نحن المهاجرين دائما أناسا من الدرجة الثانية في روسيا. أعرف أن الدولة تقف إلى جانب رجال الشرطة الفاسدين وحليقي الرؤوس".هجمات معادية للمهاجرين، ردة فعل عنيفة ضد المثقفين الناقدين، يبدو أن روسيا تصبح أكثر بشاعة. لكن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ما زال يتسم بالتحدي. فقد اجتمع بالزعماء الأوروبيين في فنلندا من دون أن يتحمل أية محاضرات. وحين طرح وزراء الاتحاد الأوروبي أسئلة حول الفساد في بلاده أشار إلى أن: "«المافيا» ليست كلمة روسية". أما بالنسبة إلى وضع حقوق الإنسان الروسي الذي يتدهور بسرعة واغتيال الصحافية المكافحة آنا بوليتكوفسكايا أخيرا، فقد لمح إلى أن موتها قد يكون نظم على أيدي من يريدون إحراج الكرملين.ومع أنه بقي صامتا في البداية بشأن موجة العنف الموجهة ضد الجورجيين التي تجتاح البلاد، إلا أن بوتين قد أدانها منذ ذاك الوقت. لكنه نفسه بدا وكأنه يحتضن خطا تتزايد قوميته باستمرار. وقال بوتين في وقت أبكر من هذا العام إن المهاجرين غير القانونيين و"العصابات العرقية لا مكان لها" في "بلد مطيع للقانون". ودعا أخيرا إلى إعطاء حصة من أمكنة أسواق بيع الخضار التي يسيطر عليها تقليديا مهاجرون من القوقاز للروس، من أجل "حماية مصالح الروس الأصليين". ولم يمر هذا الخطاب الضاري من دون أن تتم ملاحظته. وتقول سفيتلانا غانوشكينا، رئيسة منظمة "النجدة المدنية" غير الحكومية، إن نبرة الرئيس قد أعطت "إشارة واضحة للبيروقراطيين وأجهزة الأمن. فكلمات بوتين تلهم الحركات القومية التي تنمو في جميع أنحاء روسيا".العنصرية ليست جديدة على روسيا. لكنها لم تكن تحظى بالحماية قط من مثل هذه المستويات العليا في الحكومة في الأزمنة الحديثة. وقد تم ترحيل أكثر من 1000 جورجي خلال الشهر الماضي، كما يقول فلاديمير خوميريكي، رئيس مجلس الجمعيات العرقية في روسيا، الذي يزعم أن كل مصلحة يملكها جورجيون تمت زيارتها من الشرطة أو مفتشي البلدية. وأصبح تفتيش الشرطة عن الناس ممن لا يتمتعون بسمات سلافية أكثر تكرارا، كما هو الأمر بالنسبة إلى الهجمات العنيفة، وفقا لمنظمة مراقبة حقوق الإنسان التي لم تستطع تجميع أرقام محددة بسبب تعليق نشاطاتها مؤقتا بموجب قوانين جديدة تحكم المنظمات غير الحكومية الأجنبية. وتم تغريم 300000 شخص العام الماضي بسبب انتهاكات قوانين الهجرة في موسكو فقط. وتضاعفت الأعداد مرات عدة هذا العام، وفقا لمنظمة النجدة المدنية. ويقول بوكيا إنه ضرب من قبل الشرطة وحليقي الرؤوس خلال الشهر الماضي: "إنهم يجعلوننا نعيش وكأننا في حرب، بحيث لا نخرج أبدا من ملاجئنا".لا تشكل أي مجموعة مقياسا أكثر من حركة معارضة الهجرة غير القانونية، وهي منظمة قومية تدعي أنها أقوى منظمة غير حكومية في روسيا بأعضائها البالغ عددهم 20000 وفروعها في 15 إقليما. وقد نشأت العام الماضي بعد أن رعت احتجاجات دعما لألكساندرا إيفانيكوفا، وهي امرأة روسية قتلت سائق تاكسي أرمنيا تزعم أنه حاول اغتصابها. وزعيم المجموعة، ألكساندر بوتكين، هو محام أنيق في الـ30 من عمره يدعى باسم مستعار هو ألكساندر بيلوف، وهو اسم مشتق من كلمة روسية تعني "الأبيض". وقد تحول إلى شخصية في وسائل الإعلام القومية في أكتوبر بعد تفجر احتجاجات معادية للمهاجرين في بلدة كوندوبونغا في شمال روسيا، أجبرت عشرات من غير الروس على الهرب بأرواحهم. واشتكي بيلوف على شاشة التلفزيون القومي وهو في كوندوبونغا، عقب الاحتجاجات التي لم تترك مطعما أو مصلحة مملوكة لغير الروس دون أن تنهبها أو تحرقها، ويضيف: "رجال من القوقاز ضربوا الفتيات في نادي الديسكو الليلي واغتصبوهن. لقد طرد سكان كوندوبونغا المجرمين من بينهم".الدور الذي قد تكون مجموعة بيلوف لعبته في العنف ليس واضحا، لكن شعاره بسيط. فقد قال لنيوزويك خلال مقابلة في مقهى راق في موسكو: "إن روسيا للروس. روسيا لا تحتاج إلى المهاجرين من أجل العمل. يمكن لروسيا أن تقوم بكل شيء من دون أي أجنبي. نحن لا نحتاج إليهم هنا". وبدا أنه يحمل ضغينة خاصة ضد مهاجري طاجيكستان. فهو يدعي أنهم: "ينشرون الأمراض ويغتصبون الفتيات الروسيات"، إضافة إلى استيراد الأفيون الذي "قتل 100000 روسي". ويقول بيلوف إنه يحظى بتأييد واسع من الروس، بمن فيهم "مديرون ناجحون من المستوى المتوسط في شركات مثل «غازبروم»، والطلاب، بل حتى الصحافيون".وقد يكون ذلك أضغاث أحلام. لكن الأسبوع الحالي سيشكل اختبارا رئيسيا حين يجتمع القوميون للاحتفال بيوم الوحدة الوطنية الروسية في 4 نوفمبر. يقول بيلوف: "سيكون يومنا، سيكون هناك ما بين خمسة و10 آلاف من أعضائنا في شوارع موسكو!" في غضون ذلك، تم توظيف بيلوف أخيرا مساعدا لنائب الدوما أندريه سافيلييف من مجموعة رودينا القومية التي تدعي وجود ضباط من الشرطة والأمن العام بين مؤيديها.يثير كل ذلك الخوف لدى أناس مثل غيلمان، وهو محلل سياسي بارز إضافة إلى كونه وكيلا لبيع الأعمال الفنية، الذي يرى أن الاتجاه القومي الجديد يصبح جزءا من التيار الرئيسي: "تغيرت الأشياء بشكل كبير في روسيا خلال نصف العام الأخير، إذ يشعر القوميون بأن الحكومة تقف كليا إلى جانبهم، وأن زمنهم قد جاء. وهم يظنون أن جميع القضاة والشرطة يؤيدونهم". ويحذر غيلمان من أنه إذا لم يتم وقف المد القومي المتصاعد بحلول الربيع المقبل، قبل حملة الانتخابات البرلمانية، فإن "هذه المجموعات ستبدأ حملاتها بنسب تأييد عالية تثير القلق".ويعرف غيلمان مخاطر اللعب بورقة القومية بشكل جيد جدا. فقد كان خلال الانتخابات الأخيرة عام 2003، مستشارا أساسيا لمجموعة تؤيد الكرملين من "التكنولوجيين السياسيين" كما يدعوها، أسست حزبا معارضا نوعا ما صمم لسحب الأصوات الاحتجاجية المعارضة للحكومة من الحزب الشيوعي القوي. كان اسم الحزب رودينا، أو الوطن الأم، وكانت رسالته قومية صرفة. وقد نجحت اللعبة نجاحا كبيرا. حصل رودينا على 7.9 بالمائة من الأصوات، فحولته من حزب بوتمكي معارض إلى تهديد حقيقي. وفي أعقاب ذلك، قاوم زعيم رودينا المغرور، ديميتري روغوزين، جهود رجال بوتين للتحكم بالحزب ولعب وحده، قبل أن يتعرض لضربة حين منع حزب رودينا من خوض الانتخابات البلدية في موسكو العام الماضي.إن المسألة المطروحة الآن هي الدرجة التي يسعى فيها الكرملين إلى تحويل القوة الجبارة للقومية السياسية لمصلحته، خاصة وهو يتطلع إلى الهيمنة على الدوما في انتخابات عام .2007 وهي أمر مهم في حد ذاته، لكن أهميته تزداد العام المقبل بشكل خاص لأن هذا البرلمان هو الذي سيكرس جدول أعمال خليفة بوتين عام .2008 يبدو أن الرئيس يحاول الآن اللعب على الحبلين في آن واحد. ففي الأسبوع الماضي، قال لمشاهدي التلفزيون عبر برنامج اتصالي على مستوى البلاد إنه "يتألم" وهو يتكلم عن التطرف في روسيا، وقال إنه يجب "التعامل معه بسرعة وحسم". كما أن قيامه بدور المدافع عن مصالح "العرقية الروسية" وسياسته الخارجية المتحدية في تأييدها للروس في الوقت نفسه ما هي إلا ضربة واضحة سعيا وراء الناخبين وعامل أساسي في نسبة الموافقة على أدائه التي تبلغ 80 بالمائة.ليس هناك من يعارض بوتين في صفوف القوميين الجدد، كما يشرح الروائي غريغوري تشارتيشفيلي المولود في جورجيا، والمشهور باسمه المستعار، بوريس أكونين. وعلى عكس ذلك، "يريد بوتين تحسين شعبيته عن طريق اللعب على وتر رهاب الأجانب. يمكنك أن تكون متأكدا من أن مسيرة المتعصبين الروس في [4 نوفمبر] ستحمل صورا لبوتين". ويحذر تشارتيشفيلي من أن الخطر الحقيقي يكمن في قدرة القومية على الخروج عن السيطرة: "إذا لم تبعد الحكومة نفسها عن القومية الروسية في المستقبل القريب، فإنها لن تتمكن من السيطرة عليها".قد تكون آنا بوليتكوفسكايا الضحية الأكثر ظهورا لما يدعوه الناقد الفني المضروب ألكساندر بانوف بـ"مناخ البربرية الجديدة". فقبل مدة غير طويلة من مقتلها وضع اسمها على لائحة لـ"أعداء روسيا" تم تجميعها من نيكولاي كورينوفيتش، وهو نائب في الدوما من حزب فلاديمير زيرينوفسكي الليبرالي الديموقراطي المتطرف قوميا، وعضو لجنة الأمن في البرلمان الروسي. وقد ورد اسم غيلمان ضمن القائمة أيضا. ويقول كورينوفيتش الذي ينفي ضلوعه في أي من الهجومين إن الوقت قد حان للروس "لينهضوا من غفوتهم وليحرروا روسيا من المحتلين الأجانب".قد يكون من عجائب الأقدار أن قتلة بوليتكوفسكايا قد شعروا بالجرأة الكافية للتخلص من أحد "أعداء روسيا"، وخاصة بعد أن هددها رئيس وزراء الشيشان المعين من الكرملين، رمضان قديروف (أحد المفضلين عند بوتين) علنا أيضا. وتدل إشارات القضية الأخيرة على أن موتها ربما يكون قد نظم من قبل أصدقاء وزملاء وأقرباء ضابط من القوات الروسية الخاصة هو لفتننت الشرطة أومون سيرغي لابين، الذي صدر ضده حكم بالسجن 11 عاما في مارس الماضي بعد أن كشف تقرير لبوليتكوفسكايا عن دوره في جريمة قتل ما يصل إلى 12 مدنيا شيشانيا في يناير عام .2001 ويزعم أن ضابطي شرطة آخرين متورطان في جرائم القتل هما الميجور ألكساندر بريليبين واللفتننت كولونيل فاليري مينين، قد هددا بقتل بوليتكوفسكايا قبل أن يختفيا عن الأنظار. لكنهما شوهدا أخيرا في بلدتهما نيزنيفارتوفسك في منطقة خانتي» مانسيسك في سيبيريا، طبقا لمصدر في مكتب المدعي العام الفيدرالي الروسي غير مخول بالحديث علنا، وهما "متهمان رئيسيان" بجريمة القتل.وبينما تتمتع روسيا بثروتها النفطية وثقتها التي دبت بها من جديد ــ بعد سنوات من الفقر والإذلال الذي أعقب سقوط الإمبراطورية ــ فإن من الطبيعي أن يتبع ذلك عودة الحياة إلى الفخر القومي. وقد تأكد بوتين تماما من أنه يشكل، من دون غيره، مركز عودة الحياة القومية، وأنه المستفيد منها. إذن لماذا الرغبة في لعب الورقة القومية؟ يتمتع الروس العاديون بالاستقرار والازدهار الذي لم يشهدوه منذ جيل. فلا يجب على زعماء البلاد، مع وجود قوتهم ومالهم وشعبيتهم، أن يشعروا بالحاجة إلى زيادة تعزيز مواقعهم عن طريق اضطهاد الجورجيين أو طرد المهاجرين. لكن الكرملين اختار، بدلا من ذلك، تحويل القومية إلى عملة للسياسة الروسية. وقد تثبت أنها سلاح خطر.تاريخ النشر: الثلاثاء 7/11/2006
© 2001-2006 دار الوطن للصحافة و الطـباعة و النشر حقوق الطبع محفوظة
دولـــــة الـكــــراهــيــــة
كتب:أوين ماثيوز وآنا نيمتسوفا
تتحول روسيا بازدياد إلى مكان مخيف. اسأل مارات غيلمان، الذي ارتكب معرضه خطأ استضافة معرض لفنان جورجي في وقت يتعرض فيه الجورجيون للمقت الرسمي. ففي الأسبوع الماضي، تم تخريب معرضه من قبل 10 رجال مقنعين، يقول غيلمان الذي ضرب ضربا مبرحا إنهم: "لم يكونوا من الرعاع، أو من الصعاليك القادمين من الشارع، بل مقاتلين متفوقين في حرفيتهم وخبراء ممن جاؤوا ليقوموا بعملهم". أو اسأل المؤرخ والقيّم أليكساندر بانوف الذي هوجم (لكن لم يسرق) من سفاكين بعد أيام من إدانته للهجوم على غيلمان علنا. أو اسأل الجورجيين العاديين الذين أصبحوا بشكل متزايد ضحايا لابتزاز الشرطة، وهجمات حليقي الرؤوس، ومن بينهم مدير محطة غسيل السيارات إيراكلي بوكيا البالغ من العمر 24 عاما الذي أدرك ضرورة عدم الاتصال بالشرطة الأسبوع الماضي بعد أن ضرب في مترو موسكو: "كنا نحن المهاجرين دائما أناسا من الدرجة الثانية في روسيا. أعرف أن الدولة تقف إلى جانب رجال الشرطة الفاسدين وحليقي الرؤوس".هجمات معادية للمهاجرين، ردة فعل عنيفة ضد المثقفين الناقدين، يبدو أن روسيا تصبح أكثر بشاعة. لكن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ما زال يتسم بالتحدي. فقد اجتمع بالزعماء الأوروبيين في فنلندا من دون أن يتحمل أية محاضرات. وحين طرح وزراء الاتحاد الأوروبي أسئلة حول الفساد في بلاده أشار إلى أن: "«المافيا» ليست كلمة روسية". أما بالنسبة إلى وضع حقوق الإنسان الروسي الذي يتدهور بسرعة واغتيال الصحافية المكافحة آنا بوليتكوفسكايا أخيرا، فقد لمح إلى أن موتها قد يكون نظم على أيدي من يريدون إحراج الكرملين.ومع أنه بقي صامتا في البداية بشأن موجة العنف الموجهة ضد الجورجيين التي تجتاح البلاد، إلا أن بوتين قد أدانها منذ ذاك الوقت. لكنه نفسه بدا وكأنه يحتضن خطا تتزايد قوميته باستمرار. وقال بوتين في وقت أبكر من هذا العام إن المهاجرين غير القانونيين و"العصابات العرقية لا مكان لها" في "بلد مطيع للقانون". ودعا أخيرا إلى إعطاء حصة من أمكنة أسواق بيع الخضار التي يسيطر عليها تقليديا مهاجرون من القوقاز للروس، من أجل "حماية مصالح الروس الأصليين". ولم يمر هذا الخطاب الضاري من دون أن تتم ملاحظته. وتقول سفيتلانا غانوشكينا، رئيسة منظمة "النجدة المدنية" غير الحكومية، إن نبرة الرئيس قد أعطت "إشارة واضحة للبيروقراطيين وأجهزة الأمن. فكلمات بوتين تلهم الحركات القومية التي تنمو في جميع أنحاء روسيا".العنصرية ليست جديدة على روسيا. لكنها لم تكن تحظى بالحماية قط من مثل هذه المستويات العليا في الحكومة في الأزمنة الحديثة. وقد تم ترحيل أكثر من 1000 جورجي خلال الشهر الماضي، كما يقول فلاديمير خوميريكي، رئيس مجلس الجمعيات العرقية في روسيا، الذي يزعم أن كل مصلحة يملكها جورجيون تمت زيارتها من الشرطة أو مفتشي البلدية. وأصبح تفتيش الشرطة عن الناس ممن لا يتمتعون بسمات سلافية أكثر تكرارا، كما هو الأمر بالنسبة إلى الهجمات العنيفة، وفقا لمنظمة مراقبة حقوق الإنسان التي لم تستطع تجميع أرقام محددة بسبب تعليق نشاطاتها مؤقتا بموجب قوانين جديدة تحكم المنظمات غير الحكومية الأجنبية. وتم تغريم 300000 شخص العام الماضي بسبب انتهاكات قوانين الهجرة في موسكو فقط. وتضاعفت الأعداد مرات عدة هذا العام، وفقا لمنظمة النجدة المدنية. ويقول بوكيا إنه ضرب من قبل الشرطة وحليقي الرؤوس خلال الشهر الماضي: "إنهم يجعلوننا نعيش وكأننا في حرب، بحيث لا نخرج أبدا من ملاجئنا".لا تشكل أي مجموعة مقياسا أكثر من حركة معارضة الهجرة غير القانونية، وهي منظمة قومية تدعي أنها أقوى منظمة غير حكومية في روسيا بأعضائها البالغ عددهم 20000 وفروعها في 15 إقليما. وقد نشأت العام الماضي بعد أن رعت احتجاجات دعما لألكساندرا إيفانيكوفا، وهي امرأة روسية قتلت سائق تاكسي أرمنيا تزعم أنه حاول اغتصابها. وزعيم المجموعة، ألكساندر بوتكين، هو محام أنيق في الـ30 من عمره يدعى باسم مستعار هو ألكساندر بيلوف، وهو اسم مشتق من كلمة روسية تعني "الأبيض". وقد تحول إلى شخصية في وسائل الإعلام القومية في أكتوبر بعد تفجر احتجاجات معادية للمهاجرين في بلدة كوندوبونغا في شمال روسيا، أجبرت عشرات من غير الروس على الهرب بأرواحهم. واشتكي بيلوف على شاشة التلفزيون القومي وهو في كوندوبونغا، عقب الاحتجاجات التي لم تترك مطعما أو مصلحة مملوكة لغير الروس دون أن تنهبها أو تحرقها، ويضيف: "رجال من القوقاز ضربوا الفتيات في نادي الديسكو الليلي واغتصبوهن. لقد طرد سكان كوندوبونغا المجرمين من بينهم".الدور الذي قد تكون مجموعة بيلوف لعبته في العنف ليس واضحا، لكن شعاره بسيط. فقد قال لنيوزويك خلال مقابلة في مقهى راق في موسكو: "إن روسيا للروس. روسيا لا تحتاج إلى المهاجرين من أجل العمل. يمكن لروسيا أن تقوم بكل شيء من دون أي أجنبي. نحن لا نحتاج إليهم هنا". وبدا أنه يحمل ضغينة خاصة ضد مهاجري طاجيكستان. فهو يدعي أنهم: "ينشرون الأمراض ويغتصبون الفتيات الروسيات"، إضافة إلى استيراد الأفيون الذي "قتل 100000 روسي". ويقول بيلوف إنه يحظى بتأييد واسع من الروس، بمن فيهم "مديرون ناجحون من المستوى المتوسط في شركات مثل «غازبروم»، والطلاب، بل حتى الصحافيون".وقد يكون ذلك أضغاث أحلام. لكن الأسبوع الحالي سيشكل اختبارا رئيسيا حين يجتمع القوميون للاحتفال بيوم الوحدة الوطنية الروسية في 4 نوفمبر. يقول بيلوف: "سيكون يومنا، سيكون هناك ما بين خمسة و10 آلاف من أعضائنا في شوارع موسكو!" في غضون ذلك، تم توظيف بيلوف أخيرا مساعدا لنائب الدوما أندريه سافيلييف من مجموعة رودينا القومية التي تدعي وجود ضباط من الشرطة والأمن العام بين مؤيديها.يثير كل ذلك الخوف لدى أناس مثل غيلمان، وهو محلل سياسي بارز إضافة إلى كونه وكيلا لبيع الأعمال الفنية، الذي يرى أن الاتجاه القومي الجديد يصبح جزءا من التيار الرئيسي: "تغيرت الأشياء بشكل كبير في روسيا خلال نصف العام الأخير، إذ يشعر القوميون بأن الحكومة تقف كليا إلى جانبهم، وأن زمنهم قد جاء. وهم يظنون أن جميع القضاة والشرطة يؤيدونهم". ويحذر غيلمان من أنه إذا لم يتم وقف المد القومي المتصاعد بحلول الربيع المقبل، قبل حملة الانتخابات البرلمانية، فإن "هذه المجموعات ستبدأ حملاتها بنسب تأييد عالية تثير القلق".ويعرف غيلمان مخاطر اللعب بورقة القومية بشكل جيد جدا. فقد كان خلال الانتخابات الأخيرة عام 2003، مستشارا أساسيا لمجموعة تؤيد الكرملين من "التكنولوجيين السياسيين" كما يدعوها، أسست حزبا معارضا نوعا ما صمم لسحب الأصوات الاحتجاجية المعارضة للحكومة من الحزب الشيوعي القوي. كان اسم الحزب رودينا، أو الوطن الأم، وكانت رسالته قومية صرفة. وقد نجحت اللعبة نجاحا كبيرا. حصل رودينا على 7.9 بالمائة من الأصوات، فحولته من حزب بوتمكي معارض إلى تهديد حقيقي. وفي أعقاب ذلك، قاوم زعيم رودينا المغرور، ديميتري روغوزين، جهود رجال بوتين للتحكم بالحزب ولعب وحده، قبل أن يتعرض لضربة حين منع حزب رودينا من خوض الانتخابات البلدية في موسكو العام الماضي.إن المسألة المطروحة الآن هي الدرجة التي يسعى فيها الكرملين إلى تحويل القوة الجبارة للقومية السياسية لمصلحته، خاصة وهو يتطلع إلى الهيمنة على الدوما في انتخابات عام .2007 وهي أمر مهم في حد ذاته، لكن أهميته تزداد العام المقبل بشكل خاص لأن هذا البرلمان هو الذي سيكرس جدول أعمال خليفة بوتين عام .2008 يبدو أن الرئيس يحاول الآن اللعب على الحبلين في آن واحد. ففي الأسبوع الماضي، قال لمشاهدي التلفزيون عبر برنامج اتصالي على مستوى البلاد إنه "يتألم" وهو يتكلم عن التطرف في روسيا، وقال إنه يجب "التعامل معه بسرعة وحسم". كما أن قيامه بدور المدافع عن مصالح "العرقية الروسية" وسياسته الخارجية المتحدية في تأييدها للروس في الوقت نفسه ما هي إلا ضربة واضحة سعيا وراء الناخبين وعامل أساسي في نسبة الموافقة على أدائه التي تبلغ 80 بالمائة.ليس هناك من يعارض بوتين في صفوف القوميين الجدد، كما يشرح الروائي غريغوري تشارتيشفيلي المولود في جورجيا، والمشهور باسمه المستعار، بوريس أكونين. وعلى عكس ذلك، "يريد بوتين تحسين شعبيته عن طريق اللعب على وتر رهاب الأجانب. يمكنك أن تكون متأكدا من أن مسيرة المتعصبين الروس في [4 نوفمبر] ستحمل صورا لبوتين". ويحذر تشارتيشفيلي من أن الخطر الحقيقي يكمن في قدرة القومية على الخروج عن السيطرة: "إذا لم تبعد الحكومة نفسها عن القومية الروسية في المستقبل القريب، فإنها لن تتمكن من السيطرة عليها".قد تكون آنا بوليتكوفسكايا الضحية الأكثر ظهورا لما يدعوه الناقد الفني المضروب ألكساندر بانوف بـ"مناخ البربرية الجديدة". فقبل مدة غير طويلة من مقتلها وضع اسمها على لائحة لـ"أعداء روسيا" تم تجميعها من نيكولاي كورينوفيتش، وهو نائب في الدوما من حزب فلاديمير زيرينوفسكي الليبرالي الديموقراطي المتطرف قوميا، وعضو لجنة الأمن في البرلمان الروسي. وقد ورد اسم غيلمان ضمن القائمة أيضا. ويقول كورينوفيتش الذي ينفي ضلوعه في أي من الهجومين إن الوقت قد حان للروس "لينهضوا من غفوتهم وليحرروا روسيا من المحتلين الأجانب".قد يكون من عجائب الأقدار أن قتلة بوليتكوفسكايا قد شعروا بالجرأة الكافية للتخلص من أحد "أعداء روسيا"، وخاصة بعد أن هددها رئيس وزراء الشيشان المعين من الكرملين، رمضان قديروف (أحد المفضلين عند بوتين) علنا أيضا. وتدل إشارات القضية الأخيرة على أن موتها ربما يكون قد نظم من قبل أصدقاء وزملاء وأقرباء ضابط من القوات الروسية الخاصة هو لفتننت الشرطة أومون سيرغي لابين، الذي صدر ضده حكم بالسجن 11 عاما في مارس الماضي بعد أن كشف تقرير لبوليتكوفسكايا عن دوره في جريمة قتل ما يصل إلى 12 مدنيا شيشانيا في يناير عام .2001 ويزعم أن ضابطي شرطة آخرين متورطان في جرائم القتل هما الميجور ألكساندر بريليبين واللفتننت كولونيل فاليري مينين، قد هددا بقتل بوليتكوفسكايا قبل أن يختفيا عن الأنظار. لكنهما شوهدا أخيرا في بلدتهما نيزنيفارتوفسك في منطقة خانتي» مانسيسك في سيبيريا، طبقا لمصدر في مكتب المدعي العام الفيدرالي الروسي غير مخول بالحديث علنا، وهما "متهمان رئيسيان" بجريمة القتل.وبينما تتمتع روسيا بثروتها النفطية وثقتها التي دبت بها من جديد ــ بعد سنوات من الفقر والإذلال الذي أعقب سقوط الإمبراطورية ــ فإن من الطبيعي أن يتبع ذلك عودة الحياة إلى الفخر القومي. وقد تأكد بوتين تماما من أنه يشكل، من دون غيره، مركز عودة الحياة القومية، وأنه المستفيد منها. إذن لماذا الرغبة في لعب الورقة القومية؟ يتمتع الروس العاديون بالاستقرار والازدهار الذي لم يشهدوه منذ جيل. فلا يجب على زعماء البلاد، مع وجود قوتهم ومالهم وشعبيتهم، أن يشعروا بالحاجة إلى زيادة تعزيز مواقعهم عن طريق اضطهاد الجورجيين أو طرد المهاجرين. لكن الكرملين اختار، بدلا من ذلك، تحويل القومية إلى عملة للسياسة الروسية. وقد تثبت أنها سلاح خطر.تاريخ النشر: الثلاثاء 7/11/2006
© 2001-2006 دار الوطن للصحافة و الطـباعة و النشر حقوق الطبع محفوظة
0 التعليقات:
إرسال تعليق